نموذج بيلز PELS: مشروع إسرائيلي لكيان فلسطيني محدود السيادة

آراء من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

يزداد المشهد الفلسطيني تعقيدًا اليوم في ظل تطرف سياسات اليمين الإسرائيلي، والتي تبدو أنها تسعى إلى تقويض القضية الفلسطينية بل وتصفيتها وإلغاء أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. ويستند رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى تلاشي قوى اليسار في إسرائيل والصعود اليمين المستمر والدعم العلني الذي يوفره دونالد ترامب، مما ينذر بمزيد من التعقيدات في المرحلة المقبلة.

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS مقالًا بعنوان: “الكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة – لا لدولة فلسطينية أو لواقع “الدولة الواحدة” بدون أغلبية يهودية؛ نعم لإنشاء كيان فلسطيني ذي سيادة محدودة (PELS)”، للكاتب أودي ديكل وهو مدير برنامج “من الصراع إلى الاتفاق” في المركز، وشغل سابقًا منصب رئيس فريق التفاوض مع الفلسطينيين تحت قيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت.

يعبر المقال المنشور مؤخرًا عن نموذج مقترح للسيادة الفلسطينية المحدودة في الضفة الغربية، وحل آمن لإسرائيل في ظل تطورات الوضع الجيوسياسي الحالي، وهو عبارة عن ترتيب سياسي إقليمي مقترح. إذ يشير الكاتب إلى أن إسرائيل تسيطر واقعيًا على الضفة الغربية وربما غزة بجميع جوانب الحياة، وهذا ما يشكل عمليًا نموذج الدولة الواحدة. لذا، يجب إيجاد نماذج بديلة تمنع إسرائيل من تحمل المسؤولية الكاملة على الفلسطينيين.

في ظل ذلك، يرى أن النموذج المثالي هو الحكم الذاتي، وأشار إليه لاحقًا باسم الكيان الفلسطيني ذو السيادة المحدودة، وذلك لأن مصطلح الحكم الذاتي يشير إلى الربط بين “الكيان الفلسطيني” و”دولة إسرائيل”، في حين تسعى إسرائيل في الابتعاد عن الدولة الواحدة، ويشكل النموذج الآخر حل أمني معقول لإسرائيل في ظل الضغوط الدولية والإقليمية لإيجاد إطار للتسوية مع الفلسطينيين.

نموذج PELS: الفصل السياسي مع استمرار السيطرة الأمنية

يعد مصطلح PELS اختصارًا لـ Palestinian Entity with Limited Sovereignty، بمعنى كيانية فلسطينيّة ذات سيادة محدودة، بمعنى عدم سيطرة إسرائيل على السكان الفلسطينيين، حيث ستعمل على تشكيل واقع من الانفصال السياسي والجغرافي والديمغرافي عن الفلسطينيين، مع بقاء الجانب الأمني تحت سيطرة إسرائيل، بينما يحكم الفلسطينيون أنفسهم، وستحافظ إسرائيل على هويتها كدولة يهودية وديمقراطية.

دعم الدول العربية المعتدلة:

يقترح النموذج أن تكون مساحة الأراضي ذات السيادة الفلسطينية المحدودة تشمل المنطقتين (أ) و (ب)، مع إمكانية التوسع بنقل ما يصل إلى 8% من المنطقة (ج) إليها، سيعمل هذا على خلق استمرارية في النقل، وسيشمل مناطق إنتاج وأراضٍ زراعية، مع وضع حدود مادية وحواجز أمنية بين المنطقة الفلسطينية والإسرائيلية، بالإضافة إلى إنشاء مناطق عبور للأشخاص وبضائع.

السلطات الممنوحة للإدارة الفلسطينية

 سيتم منح الإدارة الفلسطينية أوسع الصلاحيات من مؤسسات حكم وسلطات (تشريعية، تنفيذية، قضائية) بالإضافة إلى صلاحيات متعلقة بشؤون البنية التحتية والأمن الداخلي، فيما يتم انتخاب الإدارة الفلسطينية من قبل السكان الفلسطينيين المقيمين داخل أراضيها.

تداعيات النموذج على السلطة الفسلطينية

يشير ديكل إلى أن احتمال موافقة السلطة على سيادة محدودة والتخلي عن السيادة الكاملة ضئيل جدًا، لذا يجب إقناع قادتها بأن هذه الفترة هي فترة انتقالية مصحوبة بتحسينات في الظروف المعيشية.

أما فيما يخص قطاع غزة، فيعتبر إقليمًا مستقلًا تحكمه إدارة تكنوقراطية ترتبط بالسلطة الفلسطينية، وتنفذ فيه إصلاحات لازمة وحوكمة فعالة، وبذلك يصبح إقليمًا ضمن منطقة PELS.

بالنسبة للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية ستكون مستمرة حيث سيكون هنالك:

  1. مراقبة استخباراتية شاملة لإحباط الأنشطة التي تصفها بالإرهابية، ومنع حماس والعناصر المتطرفة من السيطرة على الكيان الفلسطيني.
  2. سيطرة أمنية مستمرة، مع الحفاظ على الحرية العملياتية لجيش الدفاع الإسرائيلي للحد من الجريمة ومنع العمليات الإرهابية.
  3. وجود الحق لإسرائيل في فرض الترتيبات الأمنية، مع تجريد الأراضي الفلسطينية من القدرات العسكرية.
  4. منع تهريب الأسلحة، وذلك من خلال سيطرة إسرائيل على الحدود والمعابر.

أشار الكاتب إلى أنه من المحتمل أن توافق الدول العربية “المعتدلة” على هذا الإقتراح، خصوصًا بعد ما حدث في “السابع من أكتوبر”، وذلك مع بقاء احتمال حل الدولتين قائمًا.

مبادئ نموذج PELS

  • سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة.
  • لا جيش فلسطيني: لن يُسمح بإنشاء جيش فلسطيني، بحيث يكون لقوات الأمن الفلسطينية سلطة حصرية على الأمن الداخلي.
  •  الحرية العملياتية الإسرائيلية: وذلك عبر احتفاظ إسرائيل بالحق في العمل في جميع مناطق الكيان الفلسطيني لمكافحة الإرهاب ومنع تشكيل منظمات معادية.
  • السيطرة الإسرائيلية على محيطها: حيث ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية الكاملة، وتشمل الحدود مع مصر والأردن، مع صلاحية التفتيش الأمني على جميع المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية.
  • السيطرة الإسرائيلية على المجال الجوي: وذلك لمنع تسلل طائرات معادية أو إساءة استخدام الطائرات المسيرة. وقد تسمح إسرائيل في إنشاء مطار للكيان الفلسطيني، مع إشراف إسرائيلي وتفتيش أمني في المطار واعتباره معبرًا حدوديًا دوليًا.
  • السيطرة على المجال البحري: لن يسمح للفلسطينيين ببناء قوة بحرية أو خفر سواحل، وسيتم الإشراف على جميع الأنشطة البحرية من قبل البحرية الإسرائيلية (وتشمل البضائع والأشخاص)، وتنظيم مناطق الصيد المخصصة.
  • السيطرة على الطيف الكهرومغناطيسي: وهذا يشمل شبكات الهاتف الخلوي والإنترنت، وسيتم تخصيص ترددات للاستخدام الفلسطيني.
  • إنشاء قيود على التحالفات العسكرية والاتفاقيات الدولية: لن تسمح إسرائيل للسلطة بتوقيع اتفاقيات أمنية أو عسكرية مع دول أجنبية دون موافقتها.
  • النظام القضائي: يُسمح للكيان الفلسطيني بإدارة نظام قضائي مستقل، ويُلزم بتطبيق مبادئ مكافحة الإرهاب، مع احتفاظ جهاز الأمن الإسرائيلي بسلطة مقاضاة الفلسطينيين على الجرائم الأمنية الخطيرة.

بذلك، ستتمكن إسرائيل من الحفاظ على أمنها وإحباط العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى تعزيز الاستقرار، كما سيمكن هذا النموذج من قيام حكم ذاتي فلسطيني، وسيكون للفلسطينيين إدارة كاملة للحياة المدنية، بالإضافة إلى إزالة العقبة أمام التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهام بعد أن تظهر إسرائيل أنها لا تنوي السيطرة على الشعب الفلسطيني.

ولكن يجدر الذكر إلى أن هنالك عيوب لهذا الاتفاق تتمثل بما يلي:

  1. عدم الرضا الفلسطيني، بسبب إيمانهم بحقهم في السيادة الكاملة.
  2. من المحتمل أن يستمر الاحتكاك بين السكان الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين.
  3. سيمارس المجتمع الدولي ضغوطًا من أجل السماح بالسيادة الكاملة.
  4. على الأرجح أن يبقى الكيان الفلسطيني معتمدًا اقتصاديًا على إسرائيل.

الخاتمة

بذلك، ستحتاج إسرائيل إلى مواصلة التعاون الأمني مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وتحسين الظروف الاقتصادية داخل الكيان الفلسطيني، والتعاون مع الشرطة الفلسطينية وأجهزة الأمن الداخلي، مع القيام بتقديم النموذج كمرحلة انتقالية وذلك إلى أن يصبح الجانبان مستعدين لمناقشة تفاصيل السيادة الفلسطينية الكاملة، والتي لن تشمل في كل الأحوال القوات أو القدرات العسكرية.

ختامًا، يشير الكاتب إلى أنه يجب تعزيز الحوار مع الدول العربية لتقييم مدى دعمها لهذا النموذج، بحيث يتوسع ليشمل تحالفًا إقليميًا يضم دولًا عربية معتدلة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وثمة توقعات بأن تدعم الدول العربية المعتدلة هذا النموذج وذلك للقضاء على التطرف.

زر الذهاب إلى الأعلى