نتنياهو في واشنطن الأسبوع القادم.. ما الذي يقلق الأردن؟

وفق ما أعلن مكتب بنيامين نتنياهو ومصادر سياسية أميركية فإنّ، بنيامين نتنياهو، تلقى دعوة من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لزيارة واشنطن الأسبوع القادم (4 فبراير/شباط)، ليكون أول مسؤول يلتقيه ترامب من منطقة الشرق الأوسط، بخاصة بعد التصريحات الجدلية التي أطلقها ترامب وكررها حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

الهواجس الأردنية من هذا اللقاء تتمثل بأنّ نتنياهو سيقوم بتأييد تصريحات ترامب ويعزز لديه هذه القناعة بالتهجير للفلسطينيين، وربما يحصل على وعود جديدة منه بهذا الشأن، مما يصعّب أي عملية إزاحة وتغيير في موقف الرئيس الأميركي بعد ذلك، وهو الأمر الذي كانت تطمح له دوائر القرار في عمّان من خلال ترتيبات مقترحة للقاء الملك بالرئيس ترامب، في أقرب وقتٍ ممكن، لكن من الواضح أنّ مقابلة نتنياهو التي ستسبق زيارة الملك ستعقّد الأمور أكثر في التعامل مع هذه الإدارة الجديدة، التي كان يخشى الأردن مسبقًا من أجندتها السياسية، الأمر الذي تأكّد مع تصريحات ترامب تجاه تهجير الفلسطينيين من جهة واتجاه وقف منح وكالة التنمية الأميركية التي أضرّت مباشرة بالاقتصاد الأردني وبالعديد من المشروعات التنموية وبمؤسسات المجتمع المدني.

ربما يعيدنا ذلك إلى تصريحات ترامب التي تبدو بالنسبة لدوائر القرار في عمّان غريبة ومفاجئة، إذ إنّ الأردن لم يكن معنيًا بترحيل فلسطينيي غزة جغرافيًّا أو سياسيًّا، منذ البداية، فلا توجد حدود جغرافية بينه وبين قطاع غزة، مثلما هي الحال لمصر، وعندما طرح وزير الخارجية الأميركي السابق، أنتوني بلينكن، هذا السيناريو، رفضه الأردن ليس خشية من ترحيل الغزيين إليه، بل خشية من أن يكون ذلك سيناريو لترحيل فلسطينيي الضفة لاحقًا، لذلك ليس مفهومًا لماذا يزجّ الرئيس ترامب بالأردن في موضوع غزة، ابتداءً. فضلاً عن أنّ مثل هذا السيناريو يصعب تحقيقه على أرض الواقع إلاّ إذا وافقت مصر على فتح الحدود بالكلية للفلسطينيين وقبلت بعملية ترحيل جماعية، وهو أمر مشكوك فيه كثيرًا.

إذا كان مثل هذا السيناريو ترحيل غزيين إلى الأردن ليس مطروحًا من ناحية واقعية، فما الذي فعلًا يقلق المسؤولين والسياسيين الأردنيين من حديث ترامب وتصريحاته؟

السبب الأول، أنّ هنالك “جملًا محذوفة” في خطابه، فمن الواضح أنّه “خلط” الملفات الفلسطينية معًا، وعلى الأغلب أنّ المطلوب أردنيًّا، في مرحلة لاحقة، ليس استقبال الغزيين، بل التعامل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، سواء عبر دور أمني أردني في الضفة أو ربما إذا ما قامت إسرائيل بضم أجزاء من الضفةوبالتالي سيُطلب استقبال أعداد من الفلسطينيين، بخاصة أن هنالك مسؤولين إسرائيليين يتحدثون علانية بأنّ مئات الآلاف من سكان الضفة الغربية يحملون جوازات السفر الاردنية ويطالبون بترحيلهم إلى الأردن، ومثل هذا الخطاب يثير هواجس لدى صناع القرار في عمان من وجود التقاء بين إدارة ترامب واليمين الإسرائيلي في التصور النهائي لحل القضية الفلسطينية من خلال تحميل الأردن جزءًا من عبء السكان الفلسطينيين، بطريقة أو بأخرى.

أمّا السبب الثاني، فيتثمل في أنّ طريقة طرح ترامب للأمور وتفكيره في الملفات السياسية في المنطقة ستكون مزعجة للأردن، وتحمل في داخلها شعورًا أردنيًّا بعدم تقدير مكانته وقيمته الاستراتيجية بوصفه حليفًا للولايات المتحدة خلال مرحلة طويلة من الزمن، فترامب يتحدث بصيغة “إملاء الأوامر” ووضع الخطط ليقوم الآخرون بتنفيذها، ويقايض المواقف السياسية، وهو الأمر الذي يثير لدى الأردن الريبة في أن يكون موضوع عودة المساعدات الأميركية مرتبطًا بتقديم تنازلات والاستجابة للضغوط الأميركية، مما يعني أنّ على الأردن أن يتعايش مع إدارة مزعجة مقلقة غير مريحة لمدة أربعة أعوام، والمشكلة الأكبر أنّها أعوام حرجة خطيرة يفكر ترامب فيها بحسم العديد من الملفات الخطيرة.

لن يقف الأردن، بالضرورة، بصورة علنية ضد إدارة ترامب، وستتجنب الديبلوماسية الأردنية المواجهة المباشرة، لكن من المعروف أنّ الأردن تحصّل على خبرة ديبلوماسية كبيرة، ولديه قدرة على توسيع هامش المناورة وصياغة تكتيكات سياسية وتحالفات ومواقف إقليمية تقلل وتحدّ حجم الضغوط عليه، كما يميّز صانع القرار الأردني بين الخطوط الحمراء العريضة التي لا يمكن المراوغة فيها من جهة، وبين الملفات والقضايا الأخرى التي تستدعي قدرًا من المرونة والتكيّف مع التحولات الجارية، وعلى الأغلب سيتخذ الأردن مسارًا ذكيًّا لعرقلة هذه الأفكار والخطط، لكن في حال وُضعت المسألة على حدّ السيف، وطُلب من الأردن استقبال المهجّرين الفلسطينيين، فسيكون موقف الأردن هو الدفاع عن مصالحه الاستراتيجية والوطنية وأمنه الوطني، وفي حال طُلب من الأردن القيام بدور أمني في الضفة الغربية فسيرفض ذلك، لكن سيفضّل صانع القرار الأردني العمل ضمن خطوط تحالفات إقليمية، وستُترك مسألة مواجهة مشروعات تصفية القضية الفلسطينية وتقرير مصير الفلسطينيين بدايةً للفلسطينيين أنفسهم ليقولوا كلمتهم بهذا الخصوص.

في الوقت نفسه من المتوقع أن تلجأ الديبلوماسية الأردنية إلى بناء أرضية إقليمية لمواقف مشتركة، بخاصة مع السعودية التي تمثّل اليوم القوة القيادية في العالم العربي، ومع مصر وحتى تركيا التي تتقارب مواقفها من الأردن والسعودية في الفترة الأخيرة، وفي الأروقة الخلفية سيقوم الأردن بتطوير الموقف الفلسطيني ليكون قادرًا على التعامل مع المرحلة الجديدة، لكن مثل هذه التكتيكات والمناورات المتوقعة لا تنفي أنّ المرحلة القادمة ستكون صعبة على الأردن للتعامل مع إدارة الرئيس ترامب!

زر الذهاب إلى الأعلى