محاولة السلطة الفلسطينية حل خلافاتها مع حماس

آراء من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي

نسعى في معهد السياسة والمجتمع إلى رصد الآراء الإسرائيلية – الصهيونية عبر مراكز الأبحاث والتفكير الإسرائيلية، لذا سنتوقف في هذا التقرير عند تحليل مهم وعميق، فيما يتعلق بالجدل بين فتح وحماس، والنتائج التي أدت إليها الحرب الأخيرة “سيوف من حديد”، للكاتب يوحنان تزوريف، وهو باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل INSS، وقد كان مستشارًا مدنيًّا للإدارة المدنية في قطاع غزة خلال الانتفاضة الأولى، وكان الأمين العام لحركة “نتيفوت شالوم” (مسارات السلام).

في مقاله ” محاولة السلطة الفلسطينية حل خلافاتها مع حماس” يرى تزوريف أن على إسرائيل أن تستغل الوضع الراهن لمصلحتها بعد الانتقادات المتزايدة على حماس، بالإضافة إلى ما واجهته حماس من تحديات منذ بدء إدارة ترامب بما فيها الهجرة الطوعية، وطرد حماس من غزة، ومنع عودة الفلسطينيين. في ظل ذلك، تزايدت الانتقادات الموجهة لحماس؛ لأنها تعرض القضية الفلسطينية وإنجازات منظمة التحرير الفلسطينية للخطر والتهديد، وبناءً على ذلك، تم تصوير حماس على أنها عبارة عن “منظمة من الجهلة الذين لا يدركون قواعد القانون الدولي، ويتجاهلون موازين القوى التي تميل بوضوح لصالح إسرائيل”.

وكما أشار الكاتب إلى أن خالد الحروب، وهو أردني من أصل فلسطيني وباحث في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أن أي حركة مقاومة لم تُوجَّه إليها انتقادات خلال عقدين من الزمن كما وُجّهت إلى جماعة المقاومة في غزة منذ اندلاع “السابع من أكتوبر”. لذا، فإن هذه الحرب تدفع بالجدل الدائر منذ زمن بين فتح وحماس إلى نقطة حاسمة.

وعلى الرغم من أن أبا مازن، الذي كان دائم الانتقاد لحماس وهجماتها، تردد في التعبير علنًا عن غضبه الشديد تجاه حماس في حربها الأخيرة ومع ذلك، فإن نبيل أبو ردينة، وهو أقرب مستشار إعلامي لأبي مازن، وصف الحرب الأخيرة بأنها “حرب حماس وليست حرب الشعب الفلسطيني”. ثم بعد ذلك، اتهم أبو مازن حماس بتدمير غزة والدفع بإسرائيل للتحرك ضد القطاع.

وفقًا لتزوريف، هناك تنافس بين المعسكر القومي والديني في الساحة الفلسطينية حيث إن المعسكر القومي يسعى إلى الانخراط مع الغرب والتحرر من قيود الدين والتقاليد، أما الإسلامي المحافظ، الذي يخشى فقدان الهوية والثقافة التي بُنيت عليها المجتمعات الفلسطينية، فهو الذي تنتهجه حماس وقد أعربت حماس سابقًا أن حركة فتح انهزامية وابتعدت عن القيم الإسلامية. فيما يرى أبو مازن أن النزاع المسلح ضد إسرائيل قد فشل فشلًا ذريعا، ودعا حماس إلى التعلم من تجربة فتح.

ومن أبرز الانتقادات التي وجهها خصوم حماس، كما تضمن المقال:

  • “حماس لا تتعلم من تجارب الآخرين، وتغامر بحياة الفلسطينيين ومستقبل القضية الفلسطينية”.
  • “إن حماس لا تفهم الديناميكيات الإقليمية والدولية، وترفض الاعتراف بالتفاوت الهائل في القوة، الذي يصب في صالح إسرائيل وحلفائها الغربيين”.
  • “حماس تسيء فهم هدف المقاومة للاحتلال، فهذه المقاومة يجب أن تنتهي في اللحظة التي توافق فيها القوة المحتلة على المفاوضات”.
  • “ما جدوى خوض الحرب، ثم المطالبة بالعودة إلى الوضع الذي سبقها؟ أليس هذا اعترافًا بالفشل؟”.
  • “لقد انحرفت حماس عن طبيعتها كحركة مقاومة للاحتلال، بشنها حربًا على إسرائيل. كان هجومها من سمات الجيش الوطني، وهو عمل مدفوع بالغطرسة والغرور”.
  • “إن اختطاف المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، كان عملًا خطيرًا وغير أخلاقي، وكان ينبغي على حماس أن تعيدهم إلى إسرائيل على الفور ودون قيد أو شرط”.
  • “إن عواقب الحرب وخيمة إلى درجة أن حماس مضطرة إلى الاعتراف بالهزيمة، وسحب قواتها المسلحة من غزة، والسماح لقيادة قادرة بالسيطرة على المنطقة”.

أما حماس، فقد اتهمت أبا مازن بنزع الشرعية عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أدى إلى تعريف جماعة المقاومة على أنها منظمات إرهابية على الساحة الدولية، بالإضافة إلى جعل المفاوضات السبيل الوحيد لحل الصراع مع إسرائيل. بعد 7 أكتوبر، أصبح ذلك واضحًا مع فشل حماس في تحقيق هدف الشعب الفلسطيني في الاستقلال السياسي.

لذا، بدأ أبو مازن بتأكيد حضوره وتطبيق إجراءات كان يتجنبها لخوفه من أن تُعتبر رضوخًا لضغوط خارجية ومن بين هذه الإجراءات:

  • وُضِعت آلية لخلافة الرئيس: قرر أبو مازن أنه في حال العجز عن أداء مهامه، تنتقل الرئاسة مؤقتًا إلى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني الذي يُلزَم بإجراء انتخابات رئاسية خلال 90 يومًا وفي حال تعذر إجراء الانتخابات خلال الإطار الزمني الأولي، يُسمح بتمديد واحد لنفس المدة.
  • صدرت تعليمات لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالتحرك ضد المسلحين في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية، وهي خطوة تم تجنبها سابقًا بسبب ضعف السلطة والدعم الشعبي لحماس.
  • أعلن عن عفو عام عن الأفراد المطرودين من حركة فتح، ومن بينهم محمد دحلان وأنصاره الكثر.
  • أعلن أبو مازن عن نيته تعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الخطوة التي قاومها طويلًا.

كما تبنى أبو مازن خطة مصر لإعادة إعمار غزة، التي أقرتها جامعة الدول العربية، وهذا يشكل تعاونًا من أبي مازن مع الدول العربية.

أدت الحرب الأخيرة إلى عدد من النتائج الإقليمية والدولية، كما أشار تزوريف:

  • قامت إسرائيل بإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط.
  • ضعف محور المقاومة، الذي تقوده إيران ووكلاؤها.
  • يميل النقاش الفلسطيني الداخلي إلى صالح المعسكر القومي، الذي يعترف بإسرائيل ويتعايش معها.
  • غضب واسع من حماس، مع رغبة الدول العربية في تحقيق الاستقرار في المنطقة.

لذا، يرى الكاتب أن على إسرائيل الاستفادة من هذه التطورات لتشكيل تحالف إسرائيلي – عربي – دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يعمل على إعادة إعمار غزة، ونزع السلاح، وإزالة القوات المسلحة، وذلك بعد إطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين لدى حماس، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وتخلي الولايات المتحدة عن فكرة الهجرة الطوعية، مع دمج السلطة الفلسطينية في الهيئة الحاكمة التي ستدير القطاع، وهذا قد يعيد تشكيل المشهد الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى