ما بعد الأسد: قراءة في التوغل العسكري جنوب سوريا من منظور مراكز التفكير الإسرائيلية

يتناول هذا التقرير ورقة سياسات لكبيرة الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي Institute for National Security Studies (INSS)، كارميت فالنسي، تحت عنوان “حقبة جديدة في سوريا: الرابحون والخاسرون والتداعيات على إسرائيل”، حيث يناقش التقرير الأفكار الواردة فيه ويسلط الضوء على آلية تفكير بعض النخب الفكرية الإسرائيلية تجاه التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري.
نقاط مفتاحية
- يشكل التحول الجيوسياسي في الجنوب السوري قلقًا ويثير المخاوف الإسرائيلية، تحديدًا في ظل تحول المشهد السياسي الذي تواجهه سوريا بحكومتها الجديدة، وفي ظل التحولات التي تشهدها العقيدة الأمنية في إسرائيل، بعد الحرب على غزة.
- تجد إسرائيل نفسها اليوم على مفترق طرق رئيسية في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وبالتالي توصي الورقة بإعادة صياغة الاستراتيجية الإسرائيلية، وفتح قنوات تفاهم مع النظام الجديد.
- تنظر إسرائيل إلى الواقع الجديد في سوريا عبر مسارين؛ الأول إيجابي عبر غياب تواجد محور المقاومة، المدعوم إيرانيًا، وتشكل نظام سياسي غير معادٍ لإسرائيل. والمسار الثاني سلبي متمثل بنشوء نظام إسلامي “جهادي”، وترسيخ معسكر إسلامي على مقربة من حدودها. ما يدعو إسرائيل إلى تعزيز العلاقات مع الأردن ودول الخليج لرسم ملامح المرحلة القادمة.
- يتضح من الورقة وجود فجوة بين ما يتم طرحه بين بعض النخب الإسرائيلية وما يجري واقعًا وميدانًا؛ فالحكومة السورية الجديدة لا تُبدي نوايا تصعيدية تجاه إسرائيل، وهو ما عبرت عنه مرارًا، وتركز على أولويات داخلية، فيما أن الدول العربية، وعلى رأسها الأردن، أظهرت انفتاحًا على السلطة الجديدة وإن كان بدرجات متباينة، خلافًا لما يُروَّج من تخوفات مبالغ بها تجاه ما تسميه الورقة بـ “التهديد الإسلامي”.
المقدمة
شكلت التحولات السياسية والعسكرية التي شهدتها سوريا منذ نهاية عام 2024 بسقوط نظام الأسد نقطة تحول محورية في المشهد المحلي والإقليمي والدولي. ومع استمرار اسرائيل من تلك اللحظة في عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية، وبذلك المعنى تثير التحركات الإسرائيلية في جنوب سوريا تساؤلات عديدة حول أهدافها وغاياتها الاستراتيجية، حيث إن إسرائيل منذ ذلك الحين، كثّفت من انتهاكاتها للسيادة السورية جوًا وأرضًا، متجاوزةً اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974، إذ توغلت في المنطقة منزوعة السلاح، وأقامت ثكنات عسكرية في مواقع متعددة على رأسها منطقة جبل الشيخ ومناطق على مقربة من حوض اليرموك مثل قرية المعرية[1]. ولم تقتصر هذه التحركات على التواجد العسكري البري فحسب، بل شملت مواجهات مباشرة مع السكان المدنيين في غرب درعا أسفرت عن مقتل عدد من المدنيين بلغ ستة أشخاص وأصيب 7 آخرين[2]. وذلك بعدما تركت قوات الجيش السوري السابق مواقع تمركزها، وفي محاولة إسرائيلية للقيام بالتوسع وكأنها تشكل منطقة عازلة للمنطقة العازلة بموجب اتفاقية فض الاشتباك 1974، كما تقدمت إسرائيل في تلك المناطق في ظل وجود تحديات كبيرة تتشكل أمام الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع. إلى جانب توسيع نفوذها في منطقة جبل الشيخ جنوب غربي البلاد مؤخرًا، حيث تبرر إسرائيل هذه العمليات من السيطرة على مواقع جديدة في جبل الشيخ برغبتها في تعطيل التهديدات المحتملة ومصادرة الأسلحة في المنطقة[3].
في هذا الإطار، سيتوقف هذا التقرير في محاولة لفهم كيف تفكر النخب البحثية والسياسية في إسرائيل تجاه سوريا ما بعد الأسد، عند ورقة سياسات كانت قد نُشرت في 12 يناير/كانون الثاني 2025 على الموقع الإلكتروني لمعهد دراسات الأمن القومي Institute for National Security Studies (INSS)، تحت عنوان “حقبة جديدة في سوريا: الرابحون والخاسرون والتداعيات على إسرائيل”[4]، للكاتبة، كارميت فالنسي، وهي كبيرة الباحثين في المعهد ورئيسة برنامج الساحة الشمالية، متخصصة في شؤون الشرق الأوسط والدراسات الاستراتيجية والمفاهيم العسكرية والإرهاب، كما عملت محللة في مركز “دادو” للدراسات العسكرية متعددة التخصصات والتابع للجيش الإسرائيلي.
تبرز أهمية الورقة بمرور مدة زمنية دون أن يُلاحظ تغييرات كبيرة في السلوك الإسرائيلي العسكري داخل الأراضي السورية، الأمر الذي قد يعكس وجود فجوة بين صناع القرار وبين مراكز الأبحاث الفكرية حتى اللحظة، في ظل عدم وضوح أدوات قياس الأهداف الإسرائيلية في سوريا، وتحديدًا بعد حرب الاستنزاف على غزة والتي دخلت على إثرها في عدة جبهات.
لمحات عامة في الورقة
تتناول الورقة التغيير الجذري في المشهد السوري مع سقوط نظام الأسد، وتناقش فيها المرحلة الجديدة التي دخلتها سوريا بصعود سلطة جديدة بقيادة أحمد الشرع خلال أيام معدودة، القائد العام في تنظيم هيئة تحرير الشام المنحل وصاحب الاسم الحركي (أبو محمد الجولاني)، كما تسلط الورقة الضوء على الديناميكية المتعلقة بالفراغ الأمني والسياسي. تؤكد الورقة على أن المرحلة الجديدة في سوريا على الرغم من أنها تحمل داخلها تحديات إلا أنها تشير إلى وجود فرص بالنسبة إلى إسرائيل، خاصة في ظل إعادة التَشكل الجيوسياسي في الجنوب السوري وفقًا للرؤى الإسرائيلية.
طرحت الورقة نشأة هيئة تحرير الشام منذ العام 2017، والتحولات التي مرت بها من قطع العلاقة ما بينها وبين تنظيم القاعدة بهدف “محللة” أهدافها وإنشاء تنظيم سوري محلي جهادي يتخذ مسارًا مستقلًا بذاته هدفه الرئيسي إسقاط نظام الأسد، مشيرةً إلى وجود حالة براغماتية عملية تتبناها الحكومة الجديدة بهدف بناء سوريا وإنهاء حالة الصراع التي استمرت على مدى سنوات طويلة. من ثم عرضت الورقة أبرز الجهات الفاعلة في المشهد السوري متطرقةً إلى موقفها وأدوارها المتوقعة خلال المرحلة القادمة، تُعرض على النحو التالي:
– تركيا: تشير في الورقة إلى الدور المحوري الذي لعبته تركيا في دعم الثورة السورية منذ اندلاع أحداثها، وتبين أن تركيا تجني اليوم ثمار تلك الجهود التي قدمتها، كما تتوقع أن يكون لها دور محوري في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الأسد، حيث تصفه بما قد يعتبر “أهم وأكثر فاعلية”، مقارنة بالأدوار التي لعبتها إيران وروسيا داخل سوريا في السنوات الماضية.
في هذا السياق، ترى الكاتبة أن الوضع الراهن في سوريا ينسجم مع التطلعات القومية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تهدف إلى ترسيخ مكانة تركيا كقوة إقليمية مؤثرة، وذلك من خلال تعزيز نفوذها داخل سوريا عبر دعم العملية السياسية والمشاركة في إعادة تشكيل الجيش السوري. كما تتوقع الكاتبة قيام تحالف عسكري واستراتيجي بين تركيا والحكومة السورية الجديدة، بما يضمن “وجود نفوذ تركي على القرارات العسكرية والسياسية السورية”.
– قطر: عبرت الكاتبة عن كون قطر سارت على منوال تركيا، إلا أن المفارقة في الدور القطري أنها حافظت على موقفها الحازم ورفضت أي اعتراف دبلوماسي بالأسد أو عودته إلى الحضن العربي، حيث سعت تركيا خلال السنوات الأخيرة إلى الحوار مع الأسد على نقيض قطر، وبالرغم من أن الموقف القطري من نظام الأسد يوحي بحالة تجعل من قطر لاعبًا رئيسيًا في المرحلة المقبلة، إلا أن الكاتبة ترى بأنها ستلعب دورًا ثانويًا مقارنة بتركيا، وتحديدًا من حيث النفوذ، على الرغم من التعاون ما بين تركيا وقطر في مسائل إعادة الإعمار وخطط مد أنابيب الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر سوريا.
-الكرد: تربط الكاتبة بين تصاعد الحضور الكردي منذ اندلاع الثورة السورية، وما نتج عنه من تداعيات أمنية بالنسبة لتركيا، حيث تشير إلى القلق التركي المتزايد من النفوذ الكردي بالقرب من حدودها، لا سيما في المناطق الواقعة شرق نهر الفرات، وهو ما يفسر التهديدات التركية المتكررة بتوسيع عملياتها العسكرية لإخراج القوات الكردية من هذه المناطق.
– إيران: مثلت التحولات الأخيرة تغييرًا جوهريًا في قواعد اللعبة الإقليمية، حيث أدى سقوط النظام إلى خسارة إيران لنقطة إستراتيجية في مشروعها الإقليمي، ما يعني وجود تراجع ملموس في نفوذ طهران داخل سوريا، وصعودًا لافتًا للدور التركي، حيث باتت أنقرة الطرف الأكثر تأثيرًا في رسم مستقبل سوريا. ما يعكس إعادة توزيع الأدوار الإقليمية على نحو يهمش الحضور الإيراني، ويعزز من موقع تركيا كفاعل محوري في المعادلة السورية.
– روسيا: على الرغم من التاريخ العدائي ما بين روسيا و”هيئة تحرير الشام” ممثلة بقائدها العام سابقًا، ورئيس الحكومة السورية الجديدة أحمد الشرع، إلا أن الكاتبة تنوه إلى إمكانية بروز نمط جديد من العلاقات بينهما بسبب النهج البراغماتي الذي تتضح ملامحه على القيادة السورية للمشهد. حيث يُفهم من ذلك أن موسكو تدرك ديناميات التحول في سوريا، وتسعى إلى التكيف معها ضمن مقاربة إستراتيجية تهدف إلى ضمان استمرارية وجودها العسكري في قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية، وذلك عبر تفاهمات إقليمية أوسع وتحديدًا مع تركيا.
-الولايات المتحدة الأميركية: ترى الكاتبة أن التطورات الأخيرة تصب في مصلحة واشنطن، فبالرغم من انقطاع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد لسنوات، سارعت الإدارة الأميركية إلى إرسال وفد دبلوماسي للقاء أحمد الشرع، كما ألغت المكافأة مقابل تسليمه للتحالف الدولي، وتدرس إمكانية رفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل. ومع ذلك، تشير الكاتبة إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض يثير تساؤلات بشأن استمرارية هذا الاهتمام الأميركي بسوريا، وما هي طبيعته وشكله.
في ختام هذا المحور، تعرض الكاتبة من منظور إقليمي وجود تخوفات من أردنيين ومصريين وسوريين وإماراتيين وقلق من النوايا المستقبلية لأحمد الشرع والحلقة المقربة منه. ويرى هؤلاء أن ما يُطرح من سياسات في الوقت الراهن قد يتحول قريبًا إلى “ممارسات تخريبية”، من ضمنها احتمال انتشار لجماعة الإخوان المسلمين في مرتفعات الجولان، على غرار حركة حماس، بنية استهداف إسرائيل. وتُبرز الكاتبة أيضًا القلق من أن يتحول النظام السوري الجديد إلى مصدر إلهام للجماعات الإسلامية التي “تسعى إلى زعزعة استقرار الأنظمة في المنطقة”، لا سيما في الأردن ومصر. وتختتم بالإشارة إلى إمكانية تشكيل محور إقليمي جديد يضم تركيا وقطر وسوريا الجديدة، قد يدخل في منافسة مباشرة مع محور الدول “السنية” مثل الأردن والسعودية ومصر.
توصيات استراتيجية للحكومة الإسرائيلية ضمن الورقة
تقدم الكاتبة في هذه الجزئية قراءة لتصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع، وما يرافقه من محاولات إضفاء الصورة البراغماتية المعتدلة للتعامل مع إسرائيل. إلا أنها تؤكد على استمرار حالة من عدم اليقين القائمة من الشرع ومستقبل سوريا، وهو ما يضع أمام إسرائيل فرص وتحديات على النحو التالي:
-تشير الكاتبة أنه من وجهة نظر إسرائيلية فإن السيناريو الإيجابي يتضمن عدة عناصر رئيسية على رأسها غياب ما يطلق عليه “محور المقاومة” المدعوم إيرانيًا ونفوذه، من ثم قيام جديد مستقر غير معادٍ لإسرائيل، بل يبدِ استعداده لإجراء محادثات دبلوماسية، ويمتلك جيش سوري فعال قادر على معالجة التهديدات من الجماعات المتطرفة مثل داعش. تستمر الكاتبة في التأكيد على أن القدرات العسكرية للجماعات في الجنوب تبقى محدودة مقارنة بالقدرات الإيرانية ووكلائها سابقًا، في حين بينت أن القوات الدرزية كانت قد أعربت عن موقف إيجابي تجاه إسرائيل وكشفت عن وجود تعاون معها سابقًا. وتؤكد أن أمام إسرائيل فرصة لتعزيز مكانتها ونفوذها في المنطقة مدعومة بعلاقتها مع واشنطن وعمان، ومسار الاتفاقيات الإبراهيمية.
-أما عن السيناريو السلبي وفقًا للتصور الإسرائيلي يتمثل في نشوء نظام إسلامي جهادي معادٍ لها، مع ترسيخ معسكر إسلامي أوسع في المنطقة وانتشار الفوضى وعدم الاستقرار والعنف بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وقد تشكل هذه الظروف بيئة خصبة لعودة إيران ووكلائها للأراضي السورية.
قدمت الكاتبة في ورقة السياسيات مجموعة من التوصيات أبرزها خيار إنشاء مجموعة أو قنوات تفاهمات مستقرة بين إسرائيل والنظام السوري الجديد، برعاية أميركية وتعاون تركي، وذلك من خلال مزيج من الجهود الدبلوماسية والإنسانية للحد من آثار التدخل العسكري لتأمين المصالح الإسرائيلية وتخفيف التوترات الإقليمية. تؤكد الكاتبة على أن أي اعتراف بالنظام السوري الجديد من إسرائيل، أن يكون مشروطًا بضمانات واضحة وتنفيذ مطالب محددة، في مقدمتها تأمين الحدود الإسرائيلية ومنع تمركز الجماعات المتطرفة المعادية على مقربة من الجولان.
وقد قدمت مجموعة من الخطوات بلغت 10 نقاط تدعم من مسار الخيار المرجح للتعامل الإسرائيلي مع الحكومة السورية، من أهمها:
– العمل على تطوير استراتيجية جديدة للدفاع عن الحدود الإسرائيلية تحديدًا في ظل عدم وضوح ملامح المرحلة الجديدة في سوريا، مشيرةً إلى أن الخطة التي ستضمن ذلك يجب أن تشتمل على معالجة مسألة المنطقة العازلة، وإيضاح لدور قوات الأمم المتحدة (UNDOF)، مع التأكيد عبر بيان دبلوماسي على أن التواجد الإسرائيلي سيكون مؤقتًا، ويعتمد على حل قضايا رئيسية تصب في حماية مصالح إسرائيل.
– ثمنت الكاتبة عملية تدمير الأسلحة السورية التي بدأت فيها إسرائيل، معتبرةً إياها مهمة للمرحلة المقبلة، سواء بالشكل العسكري الذي قد قامت به أو من خلال ترتيبات دبلوماسية دولية لاحقة، بحيث تضمن عدم وجود أسلحة كيماوية أو بيولوجية.
– دعوة إسرائيل لدراسة فتح قنوات أولية مع النظام الجديد في سوريا، شريطة أن تحتفظ إسرائيل بمصالحها الدبلوماسية والأمنية في الأراضي السورية.
– بينت الكاتبة أن على إسرائيل إيجاد صيغة واضحة واستراتيجية للفاعلين المحليين والإقليمين والدوليين بخصوص مدة استمرار تواجدها على الأراضي السورية مع تحديد الشروط اللازمة لانسحابها.
– أشارت الكاتبة على ضرورة محافظة إسرائيل على العلاقة مع تركيا على المستوى الاستراتيجي دون أن تضعها في موقع العدو، بالرغم من الموقف التركي من الحرب على غزة، كما أكدت على ضرورة إسرائيل تعزيز الحوار مع الأردن ودول الخليج للمساهمة في رسم مستقبل سوريا.
نقاش ملخص الورقة
بعد قراءة معطيات الورقة، توجد بعض النقاط التي يجب نقاشها بشكل موضوعي، وتحديدًا فيما يتعلق بمواقف الدول العربية على رأسها الأردن، ومصر والإمارات بشكل عام من الحكومة السورية الجديدة، وموقف الحكومة السورية من التحركات الإسرائيلية في الجنوب السوري، وهو ما يتعارض مع ما أوردته الورقة، حيث حاولت تقديم تصورات عربية لا تتوافق مع كل منهم، وعلى النحو التالي:
– لا ينسجم ما تقدمه الكاتبة تمامًا مع التوجهات والسياسة الأردنية تجاه الحكومة السورية الجديدة، حيث كان الأردن من أوائل الدول التي تعاملت بواقعية مع التغيرات في دمشق، متجاوزًا الإرث السياسي الذي تحمله الحكومة، وقد عُكس ذلك في استقبال الرئيس السوري أحمد الشرع في عمّان ولقائه بالملك عبد الله الثاني، ويسبقه زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، كأول دبلوماسي عربي، لدمشق ولقائه بالرئيس السوري. ويُذكر أن الأردن يؤكد باستمرار على دعمه لوحدة الأراضي السورية وضمان أمنها واستقرارها كمصلحة مشتركة، حيث يعتبر الاستقرار في سوريا ركيزة أساسية لمعالجة القضايا العالقة بين الأردن وسوريا، كملفات اللاجئين، وتهريب المخدرات، والحد من مظاهر الانفلات الأمني على الحدود الشمالية للأردن.
– أما من الجانب السوري، فقد وجهت الحكومة السورية عبر تصريحات عديدة أن أولويتها خلال الفترة المقبلة هي مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الداخلية، ولا تسعى لأن تدخل في أي مواجهة مع “إسرائيل”. كما قد نددت الحكومة السورية التحركات الإسرائيلية على أراضيها، واتخذت مسارها ودورها الدبلوماسي والقانوني عبر مطالبتها المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية في سوريا.
– ومن ناحية المخاوف المرتبطة بإمكانية تشكّل تنظيم شبيه بجماعة الإخوان المسلمين أو حركة حماس في سوريا، فيبدو أن العلاقة ما بين الحكومة السورية الجديدة والإخوان ما تزال تعتريها علامات استفهام، ولم تتضح معالمها، إذ لم تتبلور بشكل واضح حتى الآن، وما تزال تبحث عن إعادة تموضع في سوريا الجديدة.
في الختام، تعكس الورقة تبريرًا للكاتبة عن التحركات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية على رأسها الخوف الإسرائيلي من ملامح الحكم الجديد على حدودها، ما أتاح لها أن تتخذ إجراءات استباقية تضمنت ضربات لمواقع عسكرية متعددة، في حين تعتبر تلك التحركات مرفوضة محليًا ودوليًا، وتعتبر عدوانية.
وتؤكد الكاتبة على المخاوف الإسرائيلية من توسع الوجود العسكري التركي بمرور الوقت، ما قد ينعكس على إمكانية إسرائيل وقدرتها من استمرار بقائها في المنطقة العازلة أو قد يؤدي إلى مواجهة بين قوات الامن السورية مع قوات الاحتلال الإسرائيلية. إلا أن المخاوف الأمنية قد تعكس تخوف إسرائيلي من توسع النفوذ التركي في الإقليم، بالمقابل فإنها تخشى قيام دولة مستقرة على مقربة من حدودها، إذ تخدم الفوضى أهداف إسرائيل الإقليمية. بالرغم من ذلك، تبقى التحركات الإسرائيلية غامضة دون وضوح المآرب من تواجدها في سوريا، وانتهاكها للسيادة السورية. كما أن الحديث عن مخاوف الدول العربية كالأردن ومصر والإمارات من الإسلاميين لا يتوافق مع الانفتاح العربي على دمشق، بالرغم من وجود تباين في مواقف الدول العربية إلا أنها تصب في الإقرار على استقرار سوريا وحدة أراضيها وتفاعل الدول العربية مع المشهد الجديد في محاول لإعادة تأهيل ودمج سوريا عربيًّا.
[1] “الأردن ومصادر المياه المشتركة في جنوب سوريا: أبعاد وتطورات الوجود العسكري الإسرائيلي”، فرح أبو عيادة، 13 فبراير/شباط 2025، معهد السياسة والمجتمع: https://bitly.cx/2PXmA
[2] “توثيق مقتل ستة أشخاص وإصابة سبعة آخرين ونزوح عشرات العائلات إثر القصف والعمليات العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي”، 26 مارس/آذار 2025، الشبكة السورية لحقوق الإنسان: https://bitly.cx/144e
[3] “الاحتلال الإسرائيلي يعلن توغله في مناطق جديدة من جبل الشيخ في سوريا | صور”، 30 مارس/آذار 2025، تلفزيون سوريا: https://bitly.cx/saYP
[4] “A new era in Syria: Winners, Losers, and Implication for Isreal” ،12 Jan 2025، Institute for National Security Studies (INSS): https://bitly.cx/fl0fo