كيف تُقيم معاهد الدراسات الاسرائيلية سلوك إسرائيل الخارجي في المنطقة؟

عن المعهد والوثيقة

 نشر معهد Mitvim  – وهو المعهد الاسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية ويعد مركز تفكير Think tank  مقره في إسرائيل- وثيقة تغطي فترة من شهر يناير/كانون الثاني – يونيو/حزيران من هذا العام تحت عنوان “اتجاهات السياسات الخارجية الإقليمية لإسرائيل” والتي نشرت من قبل أورني ليفني Orni Livny  و روي كيبريك Roee Kibrik، وهما مدير الأبحاث ونائب المدير في المعهد. حيث تستند الوثيقة إلى التقارير الدبلوماسية للمعهد المعنية بالتطورات الشهرية في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.

نهدف من خلال هذا التعليق عرض أبرز النقاط من وجهات النظر البحثية والأكاديمية العقلانية التي قد تسهم بتعزيز السلام الفلسطيني – الاسرائيلي مع العلم أن إمكانية الوصول لعدد جيد من المصادر الاسرائيلية كانت محدودة طيلة الفترة القائمة من واقعة “7 أكتوبر”.

أبرز الاتجاهات:

  • “يريد العالم إنهاء الحرب وتنفيذ حل الدولتين بينما تتجنب إسرائيل تقديم خطة لهذا اليوم بعد الحرب، وتدفع الولايات المتحدة وأوروبا لإيجاد بديل لحماس في غزة بشكل فلسطيني مستقل أكثر تجددًا، بينما تعارض إسرائيل وبشدة حل الدولتين وترفض الترويج للسلطة الفلسطينية كبديل لحماس مع تجنبها لتقديم أي تصور لواقع ما بعد الحرب، ومع العلم باتخاذ دول أوروبية خطوات الاعتراف بدولة فلسطين”.

السياسة الاسرائيلية داخليًّا وخارجيًّا تتجنب أي تصورات (Post  / ما بعد) في مجمل خطها التاريخي السياسي وتقوم بترحيله للأجيال اللاحقة لحلّه وذلك استنادًا لأسئلتها الأولى في يهودية الدولة ودستورها أو قانونها الأساسي والعديد من المسائل، وما يتبعها من إشكاليات في تسمية الأِشياء وتعريفها. ولعلَّ فلسفة الواقع الاسرائيلي انعكست بشكل مباشر على قرارتها السياسية خاصة الخارجية منها في ظل منطقة يسهل اشتعالها ويمكن توظيف هذه الفوضى لأغراض أخرى مثل؛ استمرار نيتيناهو والكابينت الخاص فيه في الحرب لغاية اللحظة، وموضوع بدائل حماس في منطقة مثل غزة أولوية ملحة لكنها باتت مشكلة تتفاقم طوال استمرار الحرب لغاية اللحظة في ظل تجاوز الشكل البديل للحكم في غزة لوظائفه الإدارية والتفاوضية مع إسرائيل بل ليتسلّم منطقة شبه مدمرة في بنيتها التحتية وخط سير حياة مواطنيها وهذه إشكالية يصعب تجاوزها في ظل الخلافات السياسة الراهنة التي من الأجدر الحكم بعد تغير مزاج ومصالح المنطقة كاملة بعد 7 أكتوبر، ومع تقارب دولي أوروبي تضامني إلى جانب فلسطين فإن تأثير هذا الوضع الدبلوماسي الجديد سيظهر على الساحة بعد ترتيب أوراق المنطقة بعد الحرب، لكن في واقع الحال لم يأخذ الاعتراف الدولي أي مسار فعلي وقوي يهدد مصلحة اسرائيل باستمرارها في الحرب.

  • “تتصالح وتستمر إسرائيل في حرب الاستنزاف طويلة الأمد مع حزب الله على الحدود الشمالية، واضعة آمالها في الردع والجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة وفرنسا لمنع حرب واسعة النطاق، حيث تستمر اسرائيل وحزب الله في تبادل إطلاق النار محاولة منهما لفهم قواعد الاشتباك وطبيعة الخطوط الحمراء الجديدة لكل جانب في تصعيده للآخر”.

وفي حادثة البيجر الأخيرة أظهرت إسرائيل تخطيطًا مباغتًا، لكن غير جديد في الاستهداف لعناصر حزب الله في ظل توقيت حساس إقليميًّا مع حرب قائمة لغاية اللحظة، ما يولّد حجم توترات عالية من الاختراقات المستقبلية التي ستطرأ استكمالا للحادثة الأخيرة مع حالة ترقُّب حثيثة من محور المقاومة مع تزايد العبء الملقى على عاتقهم في الرد على إسرائيل.

  • ” تحت غطاء الحرب في غزة، تعمق إسرائيل ضم الضفة الغربية والعمل على إضعاف السلطة الفلسطينية، وتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية مع تشجيع العنف الاستيطاني الذي لم تؤدِ القرارات الأمريكية على المستوطنين لأي شكل عقوبات يُفرض على سلوكهم أو سلوك اسرائيل بشكل عام. بالإضافة لذلك تم نقل الإدارة المدنية للضفة الغربية من الجيش إلى وزارة الدفاع، مع وقف تحويلات الأموال للسلطة الفلسطينية”.

تعد الأحداث الواقعة في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر من أبرز القفزات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع الفلسطيني – الاسرائيلي التي يتم تجنب تسليط الضوء عليها مقارنة بالكارثة التي تحدث في غزة، وذلك انتشر تأثيره في المنطقة العربية على شكل تأنيب مجتمعي يجعل من أهالي الضفة الغربية مجبرين على تقبل الروتين اليومي بعد 7 أكتوبر لأن هناك مجزرة تحدث بجانبهم وكل ما يطرأ دونها فهو حدث هامشي، ولعل هذا الاعتياد الذي سيبدأ عامه الثاني سيكون له ثقل خطير في موازيين تطور القوة الاسرائيلية في صيغتها الأمنية أولا وفوق كل شيء.

  • “تحاول الحكومة الاسرائيلية توسيع علاقتها مع الإدارة الأمريكية لخلق هامش أكبر لحركتها بدون خسارة الدعم الدبلوماسي والعسكري، وقد عارضت الولايات المتحدة العمل المكثف في رفح وحتى تأخير شحنات الأسلحة والمطالبة بمزيد من المساعدات الانسانية ضمن انتقادها لتعامل نيتنياهو مع حرب غزة وصفقة الرهائن باعتبارها ذات دوافع سياسية، كما انتقدت تقويض السلطة الفلسطينية وفرضت عقوبات على المستوطنين لأول مرة، وبالرغم من جميع الانتقادات فإن إدارة بايدن والجالية اليهودية وقفت إلى جانب اسرائيل وزودتهم بالأسلحة وردع حزب الله وقادت الجهود الاقليمية لصد الهجوم الإيراني، بينما ألقى نيتنياهو ووزرائه اللوم على إدارة بايدن لمنعهم من تحقيق النصر”

ليست المرة الأولى التي تقف فيها الولايات المتحدة إلى جانب حلفائها وعلى رأسهم اسرائيل، لكن في هذه الحرب تم فقدان شرعية تأثير المجتمع الدولي والمصالح العليا السامية للدول العظمى أمام مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة. وبالرغم من حالة الدعم غير المحدود من قِبل الولايات المتحدة إلا أن اسرائيل تبقى هي الطرف الأقوى كمُستقبل لكل هذا السخاء العسكري والتقني، وهذا ما سبّب تزايد حالة السلبية الجمعية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط خاصة وفي العالم كافة مع الأخذ بعين الاعتبار أن القطبية العظمى التي تمثلها الولايات المتحدة  اقتصرت في هذه المرحلة بشكل جليّ على مصالح إسرائيل أولا بالرغم من وجود شبكة من الدول التي تعد في حالة تحالف طويل مع الولايات المتحدة الأمريكية لكن لم يسبق مرورها بهكذا ترتيب استراتيجي دولي كما في حالة اسرائيل متغاضية باقي حلفاؤها المعتادين.

  • يؤكد الأساتذة في المعهد تضرر شرعية الحرب بعد سلسلة الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في المحاكم الدولية في لاهاي. وساهمت كل من التصريحات والاجراءات الاسرائيلية التي تحركها الاعتبارات السياسية والايدولوجية المتطرفة بتقويض كافة الجهود الإنسانية الدولية وإضعاف القضاء الاسرائيلي نفسه، وذلك يؤكد حجم المخاوف التي اجتاحت العالم  في غضون فترة الاحتجاجات على الإصلاحات القضائية وانتصار الكتلة المتطرفة على الحالة الوسطية الاسرائيلية التي لا تجد لها مكان اليوم في كابينت نيتنياهو، ما يستدعي (ضرورة الاستثمار وهنا نتحدث في سياقها الدولي) في أي طرف اسرائيلي يؤمن بعكس ما يتبناه نتينياهو في معالجته الكلية الداخلية في اسرائيل وخاصة بعد هكذا حرب قامت بإعادة رسم حدود فهم اسرائيل نفسها داخليا وخارجيا.

  • ختم الأساتذة الوثيقة بسؤال ” هل انفصلت اسرائيل عن العالم أم هل انفصل العالم عن اسرائيل؟ “ووضحوا أن اسرائيل لم تتحول لدولة منبوذة حتى الآن، وحافظت على مجمل اتفاقياتها الدولية بتفضيلها السياسة المحلية على الصورة العالمية لإسرائيل. ومع ذلك، هبط التصنيف الائتماني لإسرائيل وسحبت صناديق الاستثمار الخارجية استثماراتها وتم تعليق العديد من رحلات طيران إلى إسرائيل، وأيضا قطعت كولومبيا العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتراجعت العلاقات التجارية مع تركيا وأعلنت فرنسا وكندا حظرا على الأسلحة لإسرائيل، وتم منع مشاركة إسرائيل في المعارض الدولية وأثر التعاون الأكاديمي بالإضافة لتدهور مؤشرات الديمقراطية العالمية لإسرائيل مما ينعكس على الشخصية الليبرالية.

المشكلة الرئيسية في الشخصية الليبرالية لإسرائيل أنها لم تكن مسؤولية فردية أخذتها إسرائيل على عاتقها بل استمرت جهود عالمية لتؤكد هذا الإدعاء ولم تتمكن إسرائيل من إدماج نفسها في هذا القالب الليبرالي عند الحديث عن المكون الفلسطيني سواء قبل 7 أكتوبر أم بعده، والمتتبع للأدبيات الصهيونية والاسرائيلية الأولى فإن إسرائيل لم يتم اعتبارها منذ التأسيس جزء شرق أوسطي يريد الانسجام مع طبيعة المنطقة العربية بل دائما ما كانت إسرائيل تنأى بنفسها عن هذا النسيج الشرقي باعتبارها الدولة الأوروبية الغربية التي جاءت من الخارج لتصلح البقايا الهشة من اللاحضارة وتنقل لها العلم والتطور والأهم من ذلك المعايير الديمقراطية المفترض العمل بها، وهذا يعود بنا لفلسفة الدولة والمجتمع التي كانت منذ اليوم الأول في إسرائيل ولم يتمكن رافعو راية السلام الاسرائيليين من تعبئة هذا الثقل الذي قام اليمين المتطرف بأخذه بشكل ممنهج يُمثل صورة واحدة عن إسرائيل بلا تنوع قائم بين مكوناتها.

زر الذهاب إلى الأعلى