حماية الأقلية الدرزية في سوريا: ذريعة إسرائيلية للدفع بمصالحها

وقعت أعمال عنف في مدينة جرمانا بريف دمشق ليلة الثلاثاء بتاريخ 29 أبريل/نيسان 2025، على خلفية انتشار تسجيل صوتي منسوب لشخص من الطائفة الدرزية يتضمن إساءات تمس النبي محمد، وأسفرت عن مقتل وجرح العشرات من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة. إلا أن الاشتباكات لم تقتصر على ذلك النطاق، بل توسعت لتشمل مدينة أشرفية صحنايا ذات الأغلبية الدرزية والمسيحية، حيث هاجمت مجموعة “من الخارجين عن القانون” حواجز الأمن العام في المنطقة، كما استخدمت أسلحة رشاشات خفيفة. وقد اعتلى المهاجمون الأبنية واستهدفوا العناصر الأمنية، مما أسفر عن مقتل 5 من عناصر الأمن العام.
على خلفية هذه الأحداث، طالب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، وهو أحد المشيخات الثلاث في سوريا بالتدخل “الدولي” السريع والمباشر، لوقف ما وصفه بالقتل الجماعي الممنهج الواضح والمكشوف، من قبل “التكفيريين”، مع إشارته إلى عدم الثقة فيما وصفها بـ”الهيئة” التي تدعي أنها حكومة. وقد قرن الشيخ بين أحداث الساحل السوري والأحداث في جرمانا، مشيرًا إلى أن أحداث الساحل لم تنل حقها من المجتمع الدولي والعدالة الدولية، على الرغم من أن التحقيقات في المسألة لا تزال جارية.
في ضوء ذلك، يتطرق التعليق إلى التحركات العسكرية والسياسية الإسرائيلية في سوريا التي شنتها تحت ذريعة حماية الدروز، في ظل مطالبات داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل، كما يسعى التعليق إلى استقراء كيف تستغل إسرائيل المكون الدرزي لتحقيق المصالح التي تخدمها بالدرجة الأولى، في ظل المعادلة السورية الجديدة.
وظفت إسرائيل الطيران الحربي عقب توتر الأوضاع في جنوب دمشق، حيث شنت سلسلة من الضربات الجوية، كان من أبرزها ضربة بواسطة طائرة مسيّرة يوم الأربعاء 30 أبريل/نيسان 2025، استهدفت مجموعة وصفتها بـ “المتطرفة” جنوب العاصمة دمشق، مدعية أن هذه المجموعة كانت تخطط لتنفيذ هجوم ضد أفراد من الطائفة الدرزية في بلدة صحنايا. وجاء هذا التحرك بعد ساعات من الدعوة التي أطلقها الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، الشيخ موفق الطريف، طالب فيها إسرائيل والمجتمع الدولي بالتدخل لمنع وقوع مجزرة بحق أبناء الطائفة.
ولم تقتصر التحركات الإسرائيلية في المسألة الدرزية على الجانب العسكري فحسب، إذ دعا وزير الخارجية الإسرائيلي “جدعون ساعر” المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في حماية الأقلية الدرزية في سوريا. في ذات الأثناء، فقد ناشد وزير الداخلية الإسرائيلي “موشيه أربيل” رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للتدخل العاجل في سوريا للدفاع عن الدروز. بينما وجه وزير الدفاع الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي تحذيرًا مباشرًا للرئيس السوري أحمد الشرع.
في الوقت الذي يتصاعد فيه الغضب داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل، أقدم متظاهرون دروز على إغلاق طرق رئيسية في شمال البلاد، مطالبين الحكومة الإسرائيلية بالتدخل لحماية أبناء طائفتهم في سوريا. وتجمّع العشرات منهم قرب منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد عبر المتظاهرون عن غضبهم بتلك التحركات معتبرين أن إسرائيل لم تبذل الجهود الكافية لوقف الاعتداءات على الدروز في سوريا. وفي هذا السياق، دعا عضو الكنيست عن حزب شاس إلى ضرورة التدخل لحماية دروز سوريا، مشيرًا إلى أن دروز إسرائيل أسهموا بشكل فاعل في الحرب على غزة. وقد يُفهم من قراءة العلاقة بين الدروز وإسرائيل أنه قد آن الأوان لـ “رد الجميل”، حيث قد يعتبر أي تهاون في الالتزام الأخلاقي تجاههم سيؤدي إلى زعزعة التحالف الدرزي الإسرائيلي. لاحقًا،أصدر الشيخ موفق طريف، بالتعاون مع عضو الكنيست عن حزب “إسرائيل بيتنا” حمد عمار، بيانًا مصورًا دعوا فيه المتظاهرين إلى فتح الطرق والعودة إلى منازلهم.
وفيما يبدو استجابة للتوترات داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل وتحديدًا من خلال التأكيد على وجود مخاوف تحيط بامتداد العائلات الدرزية في سوريا، قصفت إسرائيل منطقة قريبة من القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق، مؤكدة أن هذا الضربة تمثل رسالة واضحة بعدم سماح إسرائيل بتمركز أي قوات في جنوب دمشق قد تشكل تهديدًا للمجتمع الدرزي. من جانبها، كانت قد حذرت الحكومة السورية من أي دعوات للتدخل الخارجي تحت ذريعة الحماية، معتبرةً أن مثل هذه التحركات لن تؤدي إلا إلى تعميق الانقسام وتدهور الأوضاع في البلاد.
تتعامل إسرائيل مع مسألة الأقليات، وخصوصًا الدروز، بطريقة انتقائية تخدم مصالحها الاستيطانية منذ نشأتها، حيث استهدفت المكون الدرزي لإخراجهم من النسيج الوطني الفلسطيني، عبر فرض التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، ما يعكس هدفها في تحويلهم إلى أقلية موالية، وقطعت العلاقة التاريخية بين الدروز والمجتمع الفلسطيني. وقد عُرف عن الدروز تقديمهم دعمًا سياسيًا لأحزاب اليمين كحزب الليكود، إلا أن ذلك تراجع بشكل ملحوظ، بعد إقرار الكنيست قانون الدولة القومية عام 2018.
أما في الحالة السورية؛ فتستغل إسرائيل عبر شيخ الطائفة في إسرائيل موفق الطريف، مسألة الروابط العائلية والاجتماعية بين دروز إسرائيل ودروز السويداء لتعزيز نفوذها بعد سقوط نظام الأسد. وقد يكشف الواقع عن اختلاف واضح في خصوصية ووضع الدروز داخل إسرائيل مقارنة بنظرائهم في السويداء والذين ينقسمون في مواقفهم بين من يتمسكون بوحدة سوريا ويرفضون أي مشاريع انفصال أو تقسيم ويعترفون بالحكومة الجديدة ويرفضون التدخل الخارجي مع التأكيد على أن الحماية والأمن في السويداء مسؤولية الحكومة السورية. في حين توجد جماعات أخرى يرفضون حكومة دمشق ويعتبرونها جماعة فصائلية تكفيرية كالمجلس العسكري في السويداء والشيخ حكمت الهجري، حيث تبنى الأول بيان الأخير، في حين كشفت صحيفة النهار عن وجود تماهٍ بين مواقف الهجري ومواقف الطريف.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذا التوجه قد يلتقي في بعض جوانبه مع تطلعات الدروز في إسرائيل، الذين يعارضون الانفصال أو إقامة كيان مستقل، ومندمجون بشكل كبير في الدولة الإسرائيلية ويخدمون في جيشها، وتحديدًا في الحرب على غزة. لكن في المقابل، يبدو أن الهدف الإسرائيلي الأعمق يتمثل في توسيع نطاق المنطقة الحدودية العازلة جنوب سوريا، لمنع أي وجود عسكري قد يشكل تهديدًا لأمنها، سواء من الحكومة السورية الجديدة أو من أي سيناريو يفضي إليه أي انهيار للأوضاع في المنطقة. وفي هذا السياق، فيبدو أن إسرائيل تسعى إلى تشجيع تشكيل تحالف درزي في السويداء من خلال المكون الدرزي في إسرائيل، قد يشكل حاجزًا طائفيًا بين أي قوات قد تصنفها إسرائيل كمصدر للخطر. ورغم غموض الأهداف الإسرائيلية في سوريا، إلا أن تحركاتها توحي بسعي محتمل نحو تهيئة الأرضية لتشكيل شكل من الحكم اللامركزي يخص الطائفة الدرزية مع ضمان أن هكذا سيناريو سيخدم أهدافها. أخيرًا، يتّضح أن إسرائيل توظف سردية “حماية الأقليات وتحديدًا الدرزية” كأداة لخدمة مصالحها الاستراتيجية في سوريا، حيث تستخدمها كذريعة لمنع قيام دولة موحدة ومستقرة على حدودها الشمالية. ومن خلال هذا النهج، تسعى إلى تعزيز تفوقها الإقليمي بما يضمن أمنها ومشروعها الاستيطاني. ويدعم هذا التوجه حضورها المبكر في الساحة السورية منذ اللحظات الأولى لانهيار نظام الأسد، سعيًا لترسيخ نفوذ دائم في المشهد السوري، أو على الأقل في الجنوب.