حرب الروايات

تمارا الخزوز

من الإجحاف الحديث عن غياب أو ضعف إعلام الدولة في المشهد السياسي اليوم، دون التطرق إلى ضعف أو غياب منظومة الاتصال الاستراتيجي. فالإعلام ليس سوى أداة ضمن هذه المنظومة التي تشكّل الأساس في رسم المشهد الإعلامي وصياغة الأجندة العامة للدولة.

ورغم تزايد الاهتمام مؤخراً في الأوساط الأكاديمية والسياسية بمفهوم الاتصال الاستراتيجي (Strategic Communication)، والتأكيد على أهمية تطوير أدواته وتفعيله على مستوى الإدارة العليا في الدولة، إلا أن الواقع يكشف عن خلل أو قصور في التعامل مع هذا المجال، وقد ظهر ذلك بوضوح في ضعف الأداء الإعلامي الرسمي مؤخرًا.
وحتى يكون الإعلام الرسمي فاعلًا، لا بد من وجود استراتيجية اتصال واضحة لإدارة الأزمات الإعلامية، يتم فيها تفعيل الاتصال الاستباقي (Proactive Communication) لتمكين الإعلام الرسمي من التحكم في الأجندة الإعلامية خلال الأزمات.


وتكمن أهمية هذه الخطة الاستباقية في تمكين إعلام الدولة من السيطرة على أولوية الأخبار المعروضة في الفضاء الإعلامي، مما يمنحه القدرة على التأثير والتوجيه. كما يجب استثمار ذلك من خلال التواصل المستمر والفعّال مع وسائل الإعلام المحلية والعالمية، مما يعزز التفاعل الإعلامي والترويج للرواية الحكومية وكسب التأييد. وفي حال تُركت المؤسسات الإعلامية دون معلومات، فإنها ستلجأ إلى سياسة ملء الفراغ.


الاتصال الاستراتيجي يعني أيضًا أن تضع الدولة خطوطًا واضحة لخطابها ورسائلها السياسية، وتحدد توقيت تقديم هذه الرسائل في أوقات مدروسة، بحيث تُبث بسرعة واحترافية وكثافة. كما يتطلب الأمر التنسيق بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الإعلامية الكبرى، المحلية والدولية، لترتيب إجراء المقابلات الصحفية والإحاطات والمؤتمرات الصحفية لكبار المسؤولين الحكوميين في التوقيت المناسب، بهدف نقل صورة متوازنة لموقف الدولة من القضايا المطروحة، والتأثير في الرأي العام العالمي وطمأنة الجمهور المحلي.


وفي ظل تصاعد الحملات الإعلامية المضادة، لا بد من تطوير أدوات دقيقة للرصد والتحليل الإعلامي، لمتابعة المحتوى الإعلامي المحلي والدولي، وكشف الدعاية الموجهة ضد الدولة. يمكن تحقيق ذلك عبر تحليل الخطاب الإعلامي، لتحديد الحملات المعادية والتعامل معها بأسلوب احترافي يعتمد على تقديم رواية وطنية متماسكة ومدعومة بالحقائق، مما يعزز ثقة الجمهور المحلي والدولي في الخطاب الرسمي. وهنا تبرز أهمية الاستثمار في وحدات الرد الإلكتروني، بدلاً من الاعتماد على الاجتهادات الفردية لمؤثري شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيما على منصة (إكس)، حيث يؤدي تدخلهم في معظم الأحيان إلى تعقيد الأوضاع بدلاً من حلها.


لا يمكن تحقيق اتصال استراتيجي فعال دون تنسيق عالٍ بين مختلف دوائر صنع القرار، بهدف توحيد الخطاب الإعلامي وتجنب التشتت في الرسائل الرسمية. فنجاح الإعلام الرسمي لا يعتمد فقط على الأدوات والتقنيات الحديثة، بل يستند أيضًا إلى رؤية موحدة واستراتيجية واضحة تتكامل فيها الأدوار بين مؤسسات الدولة، مما يضمن إيصال رسالة وطنية قوية ومتماسكة، تحمي المصالح الوطنية وتواجه الحملات الإعلامية المضادة بأسلوب احترافي ومنهجي.
إنها حرب الروايات يا سادة، ومن لا يملك روايته سيجد نفسه في وضعية الدفاع المستمر.

زر الذهاب إلى الأعلى