بدوي: العرب توقفوا عن دراسة اليهودية منذ القرن الخامس للهجرة
قال الدكتور فوزي بدوي أستاذ الدراسات اليهودية ومقارنة الأديان في تونس، إن العرب توقفوا عن دراسة اليهودية منذ القرن الخامس للهجرة، ولم ينتجوا أي كتاب يتعلق باليهودية منذ وفاة ابن حزم الأندلسي.
جاء ذلك خلال ندوة استضافة بدوي نظمها معهد السياسة والمجتمع ومنتدى الحموري للتنمية الثقافية ضمن أعمال برنامج عدنان أبو عودة للحركة الصهيونية وإسرائيل (عين) جاءت تحت عنوان “المرجعيات الدينية للسياسة الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر”.
وأضاف بدوي أنه في القرن السادس عشر ظهرت نصوص مكررة وباهتة لما كتبه المسلمون في القرن الخامس، وكأن فهم العرب المسلمون لليهودية توقف عند ذلك التاريخ، حتى أفاقوا على صدمة القرنين التاسع عشر والعشرين التي تمثلت باحتلال فلسطين، ولم يجدوا حين بحثوا في التاريخ ما يدلهم على فهم المحتل الجديد.
وخلال الندوة، قدم الدكتور بدوي عرضًا تاريخيًا لمحاولات اليهود الأوروبيين لتأسيس مجتمع خاص بهم هربًا من القمع والمعاداة التي كانت تكنها أوروبا المسيحية لهم، هذه الحِراكات بدأت في محاولات الخروج من الجيتوهات إلى الاندماج في المجتمع الأوروبي، إلى أن جاء وقت محاكمة النقيب ألفريد دريفوس [i]نهاية العام 1894 في فرنسا، وتـأتي أهمية هذه المحاكمة لا بسبب تُهمة التجسس لصالح ألمانيا التي نُسبت للنقيب الفرنسي اليهودي بل كون أن مراسلًا لصحيفة نويه فرايه برسه الألمانية كان حاضرًا لتغطية هذه المحاكمة، وقد شعر هذا الصحفي أنه لن يكون هناك اندماجًا لليهود في أوروبا مهما حاولوا تحقيق ذلك، ولم يكن هذا المراسل الصحفي سوى “ثيودور هيرتزل[ii]“.
يشير الدكتور بدوي في بداية الندوة إلى الخطأ الذي وقع فيه المترجمون ودور النشر العربية الذين نشروا وترجموا عنوان الكتاب الأشهر لثيودور هيرتزل “الدولة اليهودية”، بينما الترجمة الأدق من الألمانية هي “دولة اليهود”، وهذا الاختلاف في الترجمة أدّى إلى فهم مختلف لفكرة هيرتزل في تأسيس وطن ليهود العالم.
وانطلاقًا من التيار الماشيحاني الخلاصي اليهودي، عرض الدكتور بدوي تأثر الحركة الصهيونية التي أسسها علمانيون لا يؤمنون بالتعاليم الدينية، حيث كان هذا التيار ينتظر خلاص اليهود عن طريق مجيء المسيح المُخلّص الآتي في آخر الزمان، كان أبرزهم الحاخام “باعال شم توف[iii]“.
كما أشار الدكتور بدوي في مَعرِض حديثه عن الحاخامات الأكثر تأثيرًا على الحركة الصهيونية إلى أن العرب والمسلمين لم يعطوا أحد أبرز الشخصيات الدينية التاريخية اليهودية اهتمامًا مطلقًا، ولم يترجم له أي عمل مطلقًا، وهو الرِبّي “أبراهام يهودا كوك[iv]“، وشدّد على أنه إذا أردنا أن نفهم إسرائيل الحالية، علينا أن نفهم أعمال هذا الربّي الدينية.
ومن أهم ما قام به “كوك” هو تأسيس “مركاز عاراف” في القدس، أي مركز الرِبّي الكبير، وهو ما قام به سابقًا الحاخام يوحنان بن زاكاي[v] أثناء حُكم الرومان حين تم تهريبه في تابوت خارج القدس إلى شمال فلسطين وأسس مدرسة دينية أنتجت ما يُعرف بنص المشناة.
وفيما يخص وعد بلفور، أشار الدكتور بدوي إلى النص الأصلي كُتبه ناحوم سوكلوف[vi] بالعبرية، وحين تم عرضه على الرئيس الأمريكي ويلسون[vii] من قبل الخارجية البريطانية، حذف كلمة “دولة” من متنه، وتمت الاستعاضة عنها بكلمة “بيت يهودي” بالعبرية والتي تُرجمت لاحقًا إلى Jewish Home، وقد شارك “كوك” أيضًا في صياغة النص النهائي لوعد بلفور، وهو يعتبر مؤسس الصهيونية الدينية في إسرائيل وقد كان أول من فتح الباب للعلمانيين وغير المتدينين واعتبرهم جزء من المشروع اليهودي، ولم يقم بإقصائهم أو اعتبارهم كفرة خارجين عن الدين، حيث اعتبر مشاركتهم كمشروع سياسي هو اندماج وتحقيق المشروع الإلهي الخلاصي وكان يشبههم بالحمار الذي يقود عربةً في اليهودية.
العرب وجهود دراسة اليهودية
وحول دراسة العرب والمسلمين لليهودية، أشار بدوي أيضًا إلى أنه لا يوجد أي ترجمة عربية إسلامية لأي نص ديني يهودي، وما يتوفر هو فقط ترجمات كاثوليكية، أو أرثوذكسية أو قبطية أو يسوعية، ويكمن الفرق بين هذه الترجمات وفق الدكتور بدوي إلى أن المعنى يختلف تمامًا في استخدام مفاهيم الرب، أو الإله، أو إلوهيم، والقدس وغيرها، أما التلمود البابلي فيوجد ترجمة واحدة فقط صدرت عن مركز دراسات الشرق الأوسط – الأردن، والتي اقتصرت على ترجمة جزء “الجِيمارا”، وليس كامل صفحة التلمود.
كما ركّز الدكتور بدوي على أهمية فهم تعاليم وكتب الرِبّي موسى بن ميمون[viii]، الذي يعتبره اليهود موسى الثاني بعد موسى النبي، وشدد على ضرورة وجود ترجمة إسلامية عربية لهذه التعاليم والأدبيات الدينية.
فهم الممارسات الإسرائيلية اليوم
في إجابته عن سؤال، كيفية فهم الممارسات الإسرائيلية اليوم، أشار الدكتور بدوي إلى ضرورة العودة إلى مفهوم الخلاص اليهودي “גְאוּלָה – جيولاه”، وبالأخص دراسة هذا المفهوم لدى التيار اليهودي المؤمن بأن الزمن الحاضر اليوم هو زمن عودة المسيح، ويجب العمل كل ما يمكن فعله من استيطان ودخول والسيطرة على أرض فلسطين المقدسة، التيار ذاته الذي أسسه أبراهم كوك.
وذكر بدوي أنه بعد حرب عام 1967، ظهرت موجة تدين في إسرائيل نتيجة احتلالها للجزء المتبقي من فلسطين حيث تطابق هذا الاحتلال الواقع على الأرض، مع أرض إسرائيل التوراتية، الأمر الذي أدّى الى تعاظم قوّة الحاخامية اليهودية وعلى أثرها تأسست حركة “غوش ايمونيم[ix]” والتي تعني كتلة الايمان التي أطلقت عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة بحُكم الواجب الديني بنظرهم.
حُكم الفلسطيني في أرض إسرائيل
بالعودة إلى النصوص التوراتية والتلمودية وتفاسيرها، فسّر الدكتور بدوي أن تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين المتواجدين على أرض فلسطين يعود إلى ما يُطلق عليه “جير توشاف” ويعني بالعربي حُكم الغريب في أرض إسرائيل، وأن الُحكم على الفلسطيني – وهو الغريب في أرض فلسطين في هذه الحالة – هو حُكم أبناء نوح، وهي سبعة أحكام مشتركة بين اليهود وغيرهم، وتُختصر بأن يكونوا خدمًا لبني إسرائيل، وأن لهم حقوقًا مدنية فقط، دون أن تكون لهم أية حقوق سياسية.
يعارض هذا الحُكم، تيار آخر أكثر تشددًا في إسرائيل اليوم، وهو ينفي صفة الغريب المقيم على أرض إسرائيل عن الفلسطينيين، وتزعم هذا التيار “مائير كاهانا[x]” مؤسس حركة كاخ[xi] المتطرفة، وهو صاحب مقولة “الفلسطيني الجيّد هو الفلسطيني المُهجّر أو المقتول” ونشر كتابًا بعنوان “عليهم أن يغادروا / يذهبوا They Must Go“، وأعادها مرارًا وتكرارًا بشكل علني وزير المالية السابق في حكومة الاحتلال وزعيم حزب الصهيونية الدينية “بتسلئيل سموتريتش[xii]“
كوكتيل قاتل يحكم إسرائيل اليوم
يؤكد الدكتور بدوي أن من يحكم إسرائيل اليوم هو كوكتيل قاتل معادٍ لمحيطه، حيث تتمزج الصهيونية السياسية، بالدينية بالقومية لتنتج حكومة مغالية في تطرفها، ولا تأبه بكل القرارات الأممية والدولية والمناشدات والمطالبات بوقف الحرب على قطاع غزّة، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية العاجلة رغم تعارض هذه الممارسات مع أبسط قوانين الحروب وحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي تعتبر إسرائيل عضوًا فيها، ولا يظن أيضًا أن ما تشهده الساحة الإسرائيلية من خلافات وتظاهرات سوف تؤدي إلى تفكك دولة إسرائيل، لأنه بالمفهوم اليهودي، فإن الخطر الوجودي عليهم يجب أن يتم القضاء عليه بأي طريقةٍ كانت، ولا يهم القبول الدولي السياسي لهم، لأن الأهم هو البقاء اليهودي على أرض إسرائيل. وحذّر أيضًا الدكتور بدوي، بأن أطماع الصهيونية القومية الدينية السياسية الحاكمة لا تقف فقط عند تهجير الفلسطينيين وقتلهم، بل تتعدى ذلك إلى احتلال أرض إسرائيل الكبرى كاملةً من النيل إلى الفرات.
ماذا يمكننا أن نفعل؟
في ردّه على السؤال الذي طالما شغل تفكير الكثيرين وهو ما الذي يمكننا فعله اليوم، أو كيف نواجه هذا المشروع الصهيوني؟ يرى الدكتور بدوي من وجهة نظره أن يجب التمسك بالأرض بأي ثمن ودعم صمود الفلسطينيين على أرضهم بأي طريقة ممكنة، الأمر الذي سيحبط مشروع التهجير الذي تُخطط له إسرائيل سواء في قطاع غزة والضفة الغربية، وتوازيًا، يرى أيضًا انه من المهم جدًا قبل كل شيء أن يتم انهاء الانقسام الفلسطيني لمواجهة هذا المشروع.
كما يرى أن على الفلسطينيين في الداخل المُحتل القيام بتوحيد قواهم لمواجهة المشاريع السياسية الصهيونية القادمة والتي ستكون أشد تطرفًا تجاه العرب في الحكومات القادمة. أمّا على صعيد حل الدولتين، فيقول بدوي أن هذا الحل لا مكان له اليوم، بل إن حل الدولة الواحدة هو ما تخشاه إسرائيل منذ أيام تسيبي ليفني وهو الذي سيقوم بعزل إسرائيل دوليًا، لكن في المقابل فإن على الفلسطينيين أن لا يعوّلوا على العرب، بل على أنفسهم.
[i] الفريد دريفوس: 9 أكتوبر 1859 – 12 يوليو 1935، هو ضابط مدفعية فرنسي، يهودي الأصل، حوكم وأدين سنة 1894 بتهمة الخيانة والتجسس لصالح ألمانيا وكانت قضيته واحدة من أكثر القضايا السياسية سخونة في التاريخ الفرنسي الحديث.
[ii] ثيودور هرتزل:2 مايو 1860 – 4 يوليو 1904 كاتب نمساوي-مجري، وكاتب مسرحيات، وناشط سياسي، وهو مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة.
[iii] الحاخام يسروئيل (إسرائيل) بِن إليعزير: حاخام يهودي صوفي. وهو يُعتبر مؤسِس حركة الحاسيديم.
[iv] أبراهام كوك: 1865 -1935 كان حاخام يهودي أرثودوكسي ولد في لاتفيا. وهو من أهم مفكري الصهيونية وأول حاخام أكبر لليهود الأشكناز في فلسطين ، شغل الحاخام كوك منصب الحاخامية في لاتفيا حتى هاجر إلى فلسطين عام 1904 واستقر فيها.
[v] يوحنان بن زاكاي: حاخام فريسي من معلمي المشناه، وهو من أتباع مدرسة هليل. وقد عارض يوحنان بن زكاي التمرد اليهودي ضد روما ٦٠ ـ ٧٠م فقام تلاميذه بتهريبه من القدس داخل نعش أثناء حصار الرومان لها.
[vi] ناحوم سولوكوف: كان صحفيا وكاتبا يهوديا بولنديا، من زعماء الحركة الصهيونية والمؤرخ الرسمي لها.
[vii] توماس وودرو ويلسون (28 ديسمبر 1856 – 3 فبراير 1924) هو سياسي وأكاديمي أميركي شغل منصب الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة من عام 1913 إلى 1921.
[viii] أبو عمران موسى ين ميمون القرطبي: 1135- 1204 ويشار إليه كذلك باسم “رمبام”، أي الرِبّي موسى بن ميمون، واشتهر عند العرب بلقب الرئيس موسى كان فيلسوفاً يهودياً سفاردياً وأصبح من أكثر علماء التوراة اجتهاداً ونفوذاً في العصور الوسطى. في زمنه، كان كذلك عالم فلك وطبيباً بارزاً.
[ix] غوش إيمونيم هي حركة إسرائيلية، يهوديّة أرثدوكسيّة يمينيّة متطرّفة، ملتزمة بإنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.
[x] مائير كاهانا: هو حاخام إسرائيلي ومؤسس حركة كاخ وعضو سابق في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست). اشتهر بالعداء الكبير للعرب. كانت خطة كاهانا وآرائه السياسية هي تهجير فلسطينيي الداخل من أراضيهم إلى دول عربية لكي تكون إسرائيل يهودية بشكل تام بدون وجود العنصر العربي في الدولة.
[xi] كاخ: حزب أو منظمة إسرائيلية صهيونية يمينية متطرفة، انشأها الحاخام مائير كاهانا عام 1971، اعلنت إسرائيل عن الحركة كحركة ارهابية عام 1994.
[xii] بتسلئيل سموتريتش: سياسي ومحامِ إسرائيلي من أقصى اليميني، شغل منصب وزير المالية من عام 2022 حتى استقالته في عام 2025.