اليمن والحوكمة المناخية: فجوة السياسات والتحديات الراهنة
تم تقديم هذه المادة في مؤتمر "العدالة المناخية: الحوكمة كأداة"، الذي عُقد في أكتوبر/تشرين الأول 2024 في عمّان، بالشراكة بين معهد السياسة والمجتمع ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي – برنامج الشرق الأوسط.

مقدمة
تعد اليمن واحدة من أكثر بلدان العالم عرضة لتأثير أزمة المناخ، وهي الأقل استعداداً لمواجهتها أو التكيف معها. يجسد اليمن التحديات المعقدة التي يواجهها الشرق الأوسط[1]. فتغير المناخ له آثار خطيرة على ندرة المياه والأمن الغذائي وسبل عيش المجتمعات. ويمكن للآثار المناخية المتعددة أن تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات المحلية على نطاق واسع في البلاد. تتناول هذه الورقة، لمحة عن مساعي الحوكمة المناخية في اليمن، وتناقش التحديات، وتسلط الضوء على الفجوات في السياسات الحالية، وتقترح توصيات.
تتعرض اليمن سنويًا لكوارث الطقس والمناخ المتطرف. ومع تصاعد الحرب والصراع منذ مارس/آذار 2015، وتواتر الظواهر الجوية، برزت أزمة مناخية داخل الأزمة الكبرى في البلاد. أدت الأعاصير المتوالية والفيضانات المفاجئة إلى تشريد مئات الآلاف من السكان، وتدمير الملاجئ والبنى التحتية، وجرف الأراضي الزراعية، وفقدان سبل العيش، وزيادة الفقر والهشاشة. ومنذ عشر سنوات، تشهد البلاد تلازماً بين أزمة مناخية، وأزمة إنسانية حادة. كما قد “تزداد احتمالية نشوب صراع ناجم عن تغير المناخ في المستقبل، نتيجة إهمال اعتبارات التغير المناخي في مشاورات الأطراف اليمنية حول عملية السلام“[2].
الفجوة الحالية في السياسات
خلال العقود الثلاثة الماضية، أقرت اليمن مجموعة من القوانين والتشريعات واللوائح والقرارات والإستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بالبيئة والتنوع الحيوي، وموارد المياه والأراضي، والموائل الطبيعية وغيرها[3]. ويعد قانون حماية البيئة رقم (26) لسنة 1995، الإطار التشريعي البيئي للجمهورية اليمنية. تهدف نصوص هذا القانون إلى “إدراج الاعتبارات البيئية في خطط التنمية الاقتصادية على جميع مستويات ومراحل التخطيط. وتنفيذ الالتزامات الدولية التي صادقت عليها الحكومة اليمنية والمتعلقة بحماية البيئة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، ومراعاة القضايا البيئية مثل استنفاد طبقة الأوزون، وتغير المناخ، ومكافحة التلوث”[4]. كما أعدت الحكومة في سنة 1995، خطة العمل البيئية الوطنية، والتي حددت الإجراءات ذات الأولوية المتعلقة بالقضايا البيئية الرئيسية.
تقع مهمة إعداد وتنفيذ السياسات والإستراتيجيات والخطط البيئية على عاتق الهيئة العامة لحماية البيئة. وقد أنجزت، إستراتيجية وطنية للتنوع البيولوجي. وفي العام 2009، أقرت برنامج العمل الوطني للتكيف المناخي. إلى ذلك، أصدرت الحكومة قانون المياه رقم (33)/2002، والذي يعد إنجازًا تشريعيًّا فريدًا للبلاد، مع لائحته التنفيذية المعلنة في العام 2011. فضلاً عن الإستراتيجية الوطنية للمياه وبرنامج الاستثمار، والذي تديره الهيئة العامة للموارد المائية. بالإضافة لذلك، اقرت الحكومة أيضاً الاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
كل هذا جيد. لكنه غير كافِ، ويحتاج لبذل المزيد من الجهود. فحتى الآن لا يوجد إطار تنظيمي أو سياسات بيئية واضحة ومُعلنة تدعم تنفيذ قانون حماية البيئة في اليمن. كما أن هذا القانون لم يتطرق بوضوح للتغير المناخي والاستجابات المتعلقة به. وفي الأساس، تفتقر اليمن لوجود سياسات مناخية شاملة ومعلنة. “ولا يوجد إطار متماسك لاستراتيجية وطنية لإدارة المناخ”[5]. فضلاً عن قصور التشريعات والأطر الحالية في معالجة تهديدات المناخ أو التخفيف من آثاره. وفي ظل الوضع الراهن للبلاد، وظروف عدم اليقين، من الصعب التأكد ما اذا كان بمقدور هيئة حماية البيئة، استكمال الأطر التنفيذية، والبدء بإعداد وتطوير سياسات بيئية ومناخية على المستوى الوطني. كما ان تطبيق التشريعات والرقابة ما تزال ضعيفة. بما في ذلك الامتثال الكامل لمتطلبات القانون.
وعلى المستوى الدولي، صادقت اليمن على حوالي 28 اتفاقية من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في المجالات البيئية والمناخية[6]. وبرغم مصادقة البلاد على تلك الاتفاقيات الملزمة، إلا أنها في ظل عدم الاستقرار والصراع فإن “الهيئات الوطنية حالياً، ليست في وضع يسمح لها بمعالجة التعقيدات الفنية والاشتراطات الواردة في الاتفاقيات الدولية بشأن تقديم التقارير”[7].
هناك حاجة ماسة لمعالجة كل هذه الفجوات استجابة للتغيرات المناخية، وتطوير بعض التشريعات الأخرى التي لم تشمل الكثير من جوانب العدالة المناخية. بما في ذلك، أطر السياسات الحالية لبعض الهيئات الفاعلة، ومؤامتها مع الاعتبارات البيئية والمناخية، بحيث تحمي الفئات الأكثر ضعفاً من تهديدات المناخ، والتخفيف من آثاره على المجتمعات المحلية. على سبيل المثال: السياسة الوطنية لمعالجة النزوح الداخلي في اليمن، شملت كافة الفئات الضعيفة من النازحين داخلياً جراء الصراعات والكوارث، ومعالجة قضاياهم بشكل شامل وعادل. لكنها لم تتطرق لمعالجة وضع نازحي المناخ. حيث ركزت أهدافها على “إيجاد حلول دائمة وآمنة وطوعية للنازحين، ودعم عودتهم إلى ديارهم وإعادة بناء المناطق المتضررة من الصراع”[8]. كما أن هذه السياسة حددت المسؤوليات والأدوار، إلا أنها أغفلت مشاركة أصحاب المصلحة النازحين، والجهات المعنية بالكوارث البيئية: كمصلحة الدفاع المدني، هيئة حماية البيئة، الهلال الأحمر، هيئة الأرصاد الجوية، وهيئة المساحة الجيولوجية وغيرها. حيث لم يجرِ إشراكهم ضمن أعضاء اللجنة العليا لمعالجة النزوح، والتي تتولى تنفيذ هذه السياسة.
تحديات راهنة
تواجه اليمن تحديات جمة في مجال الحوكمة المناخية، جراء مجموعة من العوامل السياسية والأمنية والتنظيمية والاقتصادية. ساهم الصراع، وعدم كفاية آليات الحوكمة، وضعف الرقابة، وسوء إدارة الكوارث، ونقص الموارد، وتدهور النظم البيئية، في تفاقم آثار التغير المناخي على المدى البعيد. وطيلة السنوات الماضية، حاولت بعض أطر الحكم المحلي معالجة التكيف مع المناخ، لكن فعاليتها تظل محدودة بسبب قضايا الحوكمة الأوسع نطاقاً.
وعلى الرغم من أن مساهمة اليمن في أزمة المناخ تعد ضئيلة جداً. إلا أنه الأشد تضرراً بالمخاطر المناخية. تتجسد إحدى العواقب الوخيمة لكوارث المناخ في اليمن، في النزوح المتكرر لسكانه. فمع تراجع حركة النزوح جراء الصراع في السنوات القليلة الماضية، ارتفعت حركة النزوح المناخي في البلاد. تشير البيانات أنه “خلال الفترة من يونيو/حزيران 2021 وحتى يناير/كانون الثاني 2024، شهدت اليمن 893 من الفيضانات المفاجئة في كافة أنحاء البلاد”[9].
يعد انقسام السلطات البيئية بالبلاد، من التحديات التي تعيق مساعي الحكومة الشرعية في الحوكمة المناخية، في ظل صراع تنظيمي بين المؤسسات المعنية، وضعف القدرات المؤسسية، وفجوة البيانات المناخية التي تستند عليها عملية صنع القرار. كما أن “الافتقار إلى التنسيق في ظل وجود إدارتين متوازيتين في حالة حرب مع بعضهما البعض، يجعلان من الصعب للغاية التركيز على العمل المناخي”[10]. كل ذلك أدى إلى زيادة الضعف، وتآكل قدرات المجتمعات المحلية، وبالتالي تقويض جهود التكيف على المستوى الوطني.
يحتل اليمن المرتبة الثانية عالمياً من حيث مستوى التحديات، وأوجه اللامساواة في مجال الحوكمة[11]. وتصنف اليمن من البلدان الهشة والمتضررة من النزاعات، وهي بسبب ذلك “تواجه أيضاً صعوبة في الوفاء بمعايير أهلية الاستفادة من آليات التمويل المناخي، والتي تتطلب هياكل حوكمة قوية”[12]. فضلاً عن وجود عقبات أمام الحكومة “تحول دون الاستفادة من التمويل اللازم للتكيف مع تغير المناخ، ولا سيما التمويل المقدم من صناديق المناخ المتعددة الأطراف، نتيجة عزوف الجهات الفاعلة والمانحة في مجال المناخ عن المخاطرة، وافتقار عملية التطبيق والشروط الائتمانية إلى المرونة، والاستجابات غير المترابطة، والتقوقع المؤسسي”[13].
إن تعزيز آليات الحوكمة المناخية في بلد كاليمن، يستدعي فهماً عميقاً للمتطلبات المعقدة والمتشابكة لهذا التحدي. والأخذ بالحوكمة المتعددة المستويات لتحقيق إصلاحات مناخية. باعتبارها أداة فعالة لإيجاد الحلول ومعالجة التهديدات المناخية. وهذا يتطلب إشراك جميع الجهات الفاعلة والفئات الضعيفة بالمجتمع في النقاشات وصنع القرار، كمسألة ضرورية لتحقيق استجابة ممكنة، يتعزز من خلالها الاتساق بين السياسات والخطط المحلية والوطنية والدولية، ويضمن الحماية للفئات الأشد ضعفاً، ويعالج التأثيرات المناخية غير المتكافئة على المجتمعات المحلية.
التوصيات
إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً:
- توطيد آليات الحوكمة المتعددة المستويات، وفق نهج متكامل لإدارة المناخ، من خلال خطة يشارك فيها جميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الفئات الأشد ضعفاً في المجتمعات المحلية المتضررة.
- حشد الموارد لتطوير وتنفيذ خطة العمل الوطنية للتكيف، وإعداد سياسات بيئية تدعم تنفيذ قانون حماية البيئة،
- تحديث السياسة الوطنية للنزوح، بحيث تتضمن توفير الحماية للفئات الأشد ضعفاً من تأثيرات التغير المناخي.
- تفعيل بنود قانون المياه، وإلزام جميع الجهات بالامتثال لمتطلبات القانون والاستراتيجية الوطنية للمياه.
إلى المجتمع الدولي والمانحين:
- تعزيز الجهود الدولية والأممية المنسقة لتحقيق الاستقرار السياسي، وبناء السلام في اليمن.
- تقديم الدعم الفني والتقني لوزارة المياه والبيئة، ودعم بناء القدرات في إعداد وتنفيذ استراتيجية للحوكمة المناخية في اليمن، يشارك فيها جميع الأطراف ذات العلاقة بما في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً.
- الاستثمار في برامج التكيف التي تلبي الاحتياج لجميع القطاعات، ودعم المبادرات الإبداعية التي تقودها المجتمعات المحلية. بما يسهم في تخفيف الضعف المناخي في المجتمعات المحلية والفئات الأشد ضعفاً.
[1] Mann, Y. 2023. “Another Looming Crisis in the Middle East: Climate Change.” UNDRR. https://www.preventionweb.net/news/another-looming-crisis-middle-east-climate-change.
[2] International Organization for Migration (IOM). 2023. Report on Migration, Environment, and Climate Change in Yemen. https://environmentalmigration.iom.int/sites/g/files/tmzbdl1411/files/documents/2024-03/yemen-desk-review.pdf.
[3] Holm Akhdar. 2020. Yemeni Legislation on Biodiversity. Holm Akhdar Platform. https://holmakhdar.org/laws/2305/.
[4] National Information Center (NIC). 1995. The Law No. 26 /1995 on Environmental Protection, Republic of Yemen. https://yemen-nic.info/db/laws_ye/detail.php?ID=11458.
[5] Ali, W. 2012. Synthesis Paper: Governance of Climate Change in Yemen. United Nations Development Programme (UNDP). https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/migration/ye/UNDP-YEM-Governance-of-Climate-Change-in-Yemen.pdf.
[6] الاتفاقيات الدولية البيئية التي وقعتها اليمن، حلم أخضر، 25 مايو/أيار 2025، https://holmakhdar.org/laws/2300/
[7] United Nations Development Programme (UNDP). 2019. Environmental and Social Management Framework. UNDP Yemen. https://www.undp.org/sites/g/files/zskgke326/files/migration/ye/ECRP-ESMF.pdf.
[8] Executive Unit for the Management of Displacement Camps in Yemen (EXUIDPs). 2013. National Policy to Address Internal Displacement in the Republic of Yemen. https://www.exuye.org/cmlib/uploads/2022/06/exuye-org-2022-06-22_17-22-42_465107.pdf.
[9] REACH. 2024. CCCM National Flood Hazard Analysis of IDP Sites in Yemen. UNHCR. https://data.unhcr.org/en/documents/details/108238.
[10] International Organization for Migration (IOM). 2023. Report on Migration, Environment, and Climate Change in Yemen. https://environmentalmigration.iom.int/sites/g/files/tmzbdl1411/files/documents/2024-03/yemen-desk-review.pdf.
[11] Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA). 2023. Country Study: Development Challenges in Yemen. https://www.unescwa.org/sites/default/files/pubs/pdf/case-study-development-challenges-yemen-english_1.pdf.
[12] International Committee of the Red Cross (ICRC). 2023. Making Adaptation Work: Addressing the Compounding Impacts of Climate Change, Environmental Degradation and Conflict in the Near and Middle East. https://www.rodekors.no/globalassets/_rapporter/klima/report-making-adaptation-work_uu.pdf.
[13] International Committee of the Red Cross (ICRC). 2023. Making Adaptation Work: Addressing the Compounding Impacts of Climate Change, Environmental Degradation and Conflict in the Near and Middle East. https://www.rodekors.no/globalassets/_rapporter/klima/report-making-adaptation-work_uu.pdf.