المومني: عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المشهد السياسي تشكل تحديًا جديدًا للأردن 

رأى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، د. حسن المومني أنّ العلاقة الأردنية-الأمريكية تمتاز بالعمق التاريخي والمرونة الاستراتيجية، إلا أن عودة ترامب قد تضيف طبقة جديدة من التعقيد، خاصة في ظل تصريحاته السابقة وسياساته الداعمة لليمين الإسرائيلي. وأكد المومني أن الأردن قادر على التكيف مع أي تغيرات بفضل استراتيجيته العملية والمرنة التي تعتمد على خلق توازن دقيق بين تطوير الفرص وتقليل المخاطر.

أوضح المومني في مقابلته مع المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع، التي تصدر عن معهد السياسة والمجتمع في عمان، أن القضية الفلسطينية تمثل أولوية مطلقة للأردن على المستويات الوطنية والإقليمية. ومع تصاعد العنف في الضفة الغربية واستمرار الحرب في غزة، فإن الأردن يواجه تهديدات متعددة الأبعاد تشمل الجوانب الأمنية، السياسية، والاجتماعية. وأكد أن أي تصعيد إسرائيلي تجاه الفلسطينيين يهدد الأمن الوطني الأردني بشكل مباشر، مشيرًا إلى أن المملكة تعتبر التهجير القسري وفرض السياسات الإسرائيلية اليمينية “خطًا أحمر” لن تتجاوزه.

كما أشار  المومني، وهو أستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات، إلى أن الأردن يعتمد على دور مركزي في القضية الفلسطينية، حيث إن مواقفه الثابتة تجاه حل الدولتين وسعيه لخلق إجماع عربي يدعمان استقراره الإقليمي. وأوضح أن التحديات الإسرائيلية الحالية لا تقتصر على الجوانب الأمنية بل تمتد لتشمل الاقتصاد الوطني، حيث تلقي النزاعات الإقليمية بظلالها على القطاعات الاقتصادية وتحد من فرص النمو.

وحول مستقبل العلاقات الأردنية-الإسرائيلية، أكد المومني أن استمرار السياسات الإسرائيلية اليمينية يشكل تهديدًا كبيرًا للأردن. وأوضح أن المملكة تسعى جاهدة للمحافظة على توازن دقيق في علاقاتها مع إسرائيل، مع التأكيد على أن أي خرق للاتفاقيات الموقعة أو تجاهل للحقوق الفلسطينية قد يؤدي إلى تصادم استراتيجي بين البلدين. وأضاف أن الأردن يظل ملتزمًا بحل الدولتين ورفض أي سياسات تهدف إلى تغيير الوضع القائم في القدس أو تهديد الهوية الفلسطينية.

وفيما يتعلق بالعلاقات الإقليمية، أوضح المومني أن الديناميكيات المتغيرة في سوريا والعراق تمثل فرصا وتحديات إضافية للأمن الوطني الأردني. فالأحداث في الجنوب السوري، بما في ذلك تهريب الأسلحة والمواد غير المشروعة، تشكل تهديدًا مباشرًا للمملكة. كما أن عدم الاستقرار الإقليمي يؤثر بشكل كبير على الأردن. 

وأشار الباحث والمحلل السياسي الأردني إلى أن الأردن يعمل بفاعلية لاحتواء هذه التهديدات من خلال شبكة علاقاته الدبلوماسية الدولية والإقليمية. كما تناول المومني الوضع في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، مشيرًا إلى أن الأردن يواجه تداعيات إنسانية وأمنية واقتصادية كبيرة نتيجة الأزمة السورية. وأكد أن المملكة تواصل دورها الدبلوماسي لدعم استقرار سوريا وضمان حماية مصالحها الوطنية، مشددًا على أن أي استقرار في سوريا سينعكس إيجابًا على الأردن.

أما في السياق الإيراني، فقد شدد المومني على أهمية إعادة ضبط العلاقات مع طهران بما يخدم المصالح الوطنية الأردنية. وأوضح أن إيران، برغم بعدها الجغرافي، تمتلك تأثيرًا مباشرًا على الأردن من خلال دورها في الإقليم. وأكد أن المملكة تنتهج سياسة عقلانية في التعامل مع إيران، تسعى لتحقيق التوازن بين التحديات والفرص مع تجنب أي تصعيد غير ضروري.

فيما يتعلق بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي، أشار المومني إلى أن هذه العلاقات تظل استراتيجية رغم التحديات. وأوضح أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يلعب دورًا داعمًا للأردن في مواجهة السياسات الإسرائيلية، في حين أن العلاقات مع دول الخليج تمثل شريانًا حيويًا للأمن الاقتصادي والسياسي الأردني. وأكد أن المملكة تعمل على تعزيز هذه العلاقات بما يخدم مصالحها الوطنية.

وفي ختام المقابلة، قدم المومني رؤية استشرافية لمستقبل الأردن في ظل التحديات الإقليمية والدولية. وأكد أن المملكة ستواصل سياستها الوطنية التي توازن بين مصالح الدولة والتحديات الإقليمية. وأوضح أن الأردن يملك خبرة واسعة في التعامل مع الأزمات، وأنه قادر على التكيف مع المشهد المتغير بفضل نهجه الواقعي القائم على الاستفادة من الفرص وتقليل المخاطر.

وتأتي مقابلة المومني ضمن العدد الجديد الصادر من المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع، الذي تضمن مجموعة من المقالات والتحليلات عن الأمن القومي الأردني والدور الإقليمي ضمن قواعد اللعبة الإقليمية المتغيرة، ويذكر أن المجلة يرأس تحريرها د. محمد أبو رمان ويرأس مجلس الأمناء فيها عبد الكريم الكباريتي، رئيس الوزراء الأسبق.

وفيما يلي نص المقابلة كاملة:

في العدد الثاني من المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع JPS، والتي تحمل عنوان:”الأمن الوطني الأردني في سياق لعبة إقليمية جديدة 2025″، عقد فريق تحرير المجلة JPS مقابلة العدد مع الأستاذ الدكتور حسن المومني، أستاذ النزاعات الدولية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، حيث أجرى المقابلة الباحثان في المعهد؛ حسن جابر وعبد الله الطائي، وفيها تم النقاش موسعًا حول الأمن الوطني الأردني، على المستويات المختلفة، وفي عدة مجالات وقضايا رئيسية تتصل بالأمن الوطني، ويطرح المومني من خلال هذه المقابلة تحليلًا للأولويات الأمنية الوطنية، والديناميكيات الآخذة بالتشكل مع عدد من المتغيرات الرئيسية، كمسار الصراع في غزة وعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسقوط نظام الأسد، والعلاقة مع العراق وإيران، وغيرها مما يساهم في بناء فهم أكثر عمقًا حول القضايا المحيطة بالأمن الوطني الأردني، وتاليًا نص المقابلة:

فريق تحرير JPS: هنالك شعور بأن النقاش الأردني حول مفهوم الأمن الوطني والأولويات الأردنية والخيارات الفرص، بالإضافة إلى الاستراتيجية الأردنية اتجاه الإقليم أو التحولات الداخلية ينتابها الغموض، بذلك نبدأ في سؤالنا الأول؛ ما هي أبرز التحديات والتهديدات التي قد تواجه الأردن في المرحلة القادمة مع استمرار الحرب على غزة وتصاعد وتيرة العنف نحو الضفة الغربية، بالتزامن مع تصريحات وسياسات اليمين المتطرف الإسرائيلي؟

المومني: بدايةً، الأردن ليس استثناءً في السياق الدولي، بمعنى أنَّ الأردن دولةٌ فاعلةٌ في سياقها الإقليمي والدولي، وهناك متغيراتٌ وتطوراتٌ في العالم الحقيقي للعلاقات الدولية انعكست على عالم المعرفة. بالتالي، مسألة الأمن الوطني كمفهوم لم تعد مقتصرةً على الأمن الصلب فقط، ولم تعد مسألة الواقعية السياسية هي المسيطرة في فهم الأمن الوطني؛ فأيُّ قضيةٍ يمكن اعتبارها أولويةً في سياق الأمن الوطني.

الأردن (كدولةٍ صغيرةٍ) ذات إمكاناتٍ قليلةٍ ضمن بيئةٍ إقليميةٍ صعبةٍ وواقعٍ جيوسياسيٍ معقد، مسألة الدور وفاعلية الدور ومكانة الدولة تعتمد على الإمكانات. والأردن، منذ النشأة، هناك عناصر قوة، وأيضًا هناك عناصر ضعف، مثل مسألة المصادر الطبيعية – الطاقة – المياه – وإشكالية الاقتصاد الأردني التاريخية. لكن في نفس الوقت، استطاع الأردن، مع مرور الوقت، أن ينتج وأن يعوض الكثير من النواقص في سياق عناصر القوة، سواء في مسألة القيادة في ظل وجود مدرسة حكمٍ ثابتةٍ لديها القدرة على فهم العلاقات الدولية في ظل واقعٍ جيوسياسيٍّ له فرصٌ وتحدياتٌ، يُدار من خلالها.

هناك توظيفٌ للواقع الجيوسياسي بشكلٍ مباشر، مثل القضية الفلسطينية التي تواجه الكثير من التحديات، ولكن في نفس الوقت، طريقة انخراط الأردن فيها وإدارة هذا الأمر عززت من أهمية الأردن، وكذلك الحال في الواقع السوري أيضًا.

ونعود لفكرة أنَّ الأردن -في العلاقات الدولية- بلدٌ صغير، وبالتالي معرضٌ للخطر، ودائمًا أيُّ دولةٍ تعتبر “الوجودية” مسألةً غايةً في الأهمية. فالوجودية وخطرها لا يتمثل فقط في سياق الحرب أو الجانب العسكري، وذلك لأن مفهوم الحرب تغيَّر، وأصبح الإرهاب يشكل تهديدًا كذلك. والواقع الاقتصادي وعدم قدرة الدولة على بناء اقتصادٍ قويٍّ قد يهدد وجودها أيضًا، وقد يهدد قدرتها على اتخاذ القرار.

لذلك، وبالرغم من التحديات، استطاع الأردن أن يبحر في هذا البحر المتلاطم، وهو الأقدر على التعاطي مع القضية الفلسطينية. ولكن أيضًا الصراع وديناميكياته متجددة وطبيعته مختلفة. ولطالما أنتج هذا الصراع تحدياتٍ وأنتج فرصًا للأردن. لذلك، لا يمكن فصل الأمن الوطني الأردني عن الأمن الإقليمي. وهذا موجودٌ في الأدبيات النظرية التي تؤكد ترابط الوحدات وأمنها.

جميع القضايا في المنطقة المجاورة للأردن تلقي بظلالها عليه، سواء كانت في فلسطين أو سوريا، مثل الجنوب السوري الذي يشكل خطرًا على الأردن. هذا الخطر ليس وجوديًا، ولكنه أيضًا يشكل تهديداتٍ تتمثل في جماعاتٍ مسلحةٍ إرهابيةٍ، وموضوع التهريب الذي قد يكون مرتبطًا بجانبٍ اقتصاديٍ أو جانبٍ غير شرعيٍ، بالإضافة إلى تسييسه. أما بالنسبة للعراق، فإن عدم الاستقرار هناك يؤثر على الأمن الوطني الأردني.

في القضية الفلسطينية، مسألة التهديد متنوعة؛ فهي موجودة في السياق الأمني، والسياسي، والاجتماعي، والاقتصادي أيضًا.

هناك أولوياتٌ للأردن في السياق الإقليمي:

  1. القضية الفلسطينية.
  2. الواقع السوري.
  3. الواقع العراقي.

وهذه القضايا تمثل قضايا ملحةً للأردن في هذا الجانب. وفي آخر 15 عامًا، تعامل الأردن مع هذه القضايا بواقعيةٍ براغماتيةٍ وفهمٍ عميقٍ لهذه التحديات. وبذلك، استخدم أدواتٍ متعددة، وشبكة علاقاتٍ استراتيجية، واستطاع إلى حدٍّ ما أن يحتوي الأخطار القادمة من العراق، واحتواء الأخطار القادمة من سوريا، وتقليل الأخطار الناتجة عما يجري في فلسطين.

اشتباك الأردن في هذه القضايا زاد وعظَّم الخبرة الأردنية في التعامل مع الأزمات، وأثبتت هذه الأحداث مركزية الأردن في هذه القضايا، خاصة القضية الفلسطينية. وما يجري حفز الدبلوماسية الأردنية على مزيدٍ من النشاط والفاعلية، ورغم ذلك، ما زالت الأخطار حقيقيةً وموجودة.

الخطر الأول في السياق الاستراتيجي الآن بالنسبة للأردن هو ما يجري في غرب النهر في الأراضي الفلسطينية. وفي نهاية المطاف، يمكن أن نصل إلى تصادمٍ استراتيجي. صحيحٌ أن الدولة الأردنية محبةٌ للسلام، ولكن رأينا السلوك الاستراتيجي الذي قد يصل إلى تصادمٍ مع إسرائيل. وهذا ما عبَّر عنه جلالة الملك عندما قال: “إن التهجير خطٌّ أحمر”. لذلك، هناك شبح إذا ما استمرت النزعة اليمينية الإسرائيلية.

هناك أيضًا مسألة اللجوء القسري، الذي يتم من خلال ضغوطٍ إسرائيلية. بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي، هناك سؤال مطروح ومركزيّ الآن: إلى أي مدى يؤثر عدم الاستقرار، خاصة مسألة الحرب على غزة، على الاقتصاد الأردني؟ وهذا يمثل خطرًا حقيقيًا. هناك بيئة قد تشكل فرصًا، وقد تشكل تحديات، مثل تحولات القوى العالمية والتغير الذي يحصل في الدول التي نعتبرها شركاء استراتيجيين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث هناك تحولات مجتمعية – سياسية – أمنية، وكذلك في أوروبا. وهذه التحولات لها تأثيراتها وتداعياتها.

الفرص موجودة أمام الأردن من فكرة أن جميع هذه القضايا وطريقة التعاطي معها أثبتت أن الأردن جزءٌ من الحل وليس جزءًا من المشكلة. وبالتالي، دوره مطلوبٌ من هذه الدول. فقد قام الأردن بخطواتٍ استباقيةٍ لتعزيز العلاقات والشراكات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، واتفاقياتٍ دفاعيةٍ وأمنيةٍ، وكذلك تعزيز العلاقة الاستراتيجية مع أوروبا، مما لعب دورًا رئيسيًا في دعم موقفه.

ما جرى وما يجري هو اختبارٌ لقدرة الدولة الأردنية على التكيف مع الأزمات. ومثالٌ على ذلك، ما جرى في غزة؛ فقد استطاعت الدولة الأردنية أن تتعاطى بفاعليةٍ مع ما يجري في غزة، وأن تحتوي تداعياته بشكلٍ كبير. ما زال هناك استقرار داخليّ ملحوظ، وما زال الرأي الشعبي – إلى حدٍّ ما – متوافقًا مع الرأي الرسمي. وأدى ذلك إلى لعب أدوارٍ إنسانيةٍ مختلفةٍ عبر الفكر الأردني الأخلاقي، مثل مسألة الإنزال الجوي.

فريق تحرير JPS: عودة ترامب محددٌ أساسيٌّ في السياسات الدولية والإقليمية، واليوم نرى أن (الكابينيت) الأمريكي الجديد، على ما يبدو، مخلصٌ بشكلٍ كبيرٍ لإسرائيل. هل أصبحنا أقرب إلى المشاريع الإسرائيلية اليوم التي كان الأردن دائمًا ما يعلن عن تخوفه منها والتي يعتبرها بمثابة إعلان حربٍ عليه؟ فاليوم نرى تصريحات وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش – على سبيل المثال لا الحصر – وأيضًا المشاريع الإسرائيلية والاستفزاز الإسرائيلي، بقولهم: “إنه حان الوقت لنفرض السيطرة على الضفة الغربية”، هل في عهد ترامب قد نكون أقرب نحو تنفيذ مشاريع أو خطواتٍ كان الأردن دائمًا ما يخشاها؟

المومني: الحكم على ترامب يأتي في سياق التجربة الرئاسية السابقة، وهنالك خلاف على ترامب يعتمد على القضايا المطروحة في المنطقة، حيث توجد قضايا يتوافق فيها الأردن مع ترامب، وأخرى تختلف فيها المواقف. بالنسبة للأردن، الإشكالية الكبرى المتعلقة بترامب هي القضية الفلسطينية، أما ما دون ذلك، فالعلاقة الأردنية-الأمريكية عابرةٌ للأحزاب. حتى في الولاية الأولى لترامب، لم نشهد أي ضغطٍ اقتصاديٍّ على الأردن، بل كانت الإشكالية في التعرض لضغوطٍ سياسية، لكنها لم تصل إلى درجة الإجبار أو ممارسة ضغوطٍ شديدةٍ للقبول.

في هذا السياق، عبّر جلالة الملك في أحد المناسبات، عندما جاء نائب الرئيس الأمريكي آنذاك (مايك بنس) في زيارةٍ إلى المنطقة، قائلًا: “إننا اتفقنا مع الولايات المتحدة على أن نكون مختلفين في القضية الفلسطينية.” ومن الطبيعي أن الفترة الأولى لترامب تختلف عن هذه الفترة، لأن الواقع اليوم أكثر تعقيدًا. والسؤال الأهم: هل ترامب الذي كان في 2016 جديدًا على معترك السياسة، هو نفسه ترامب الآن، الذي قد يكون امتلك خبرةً أكبر؟

الطاقم الذي يحيط بترامب الآن من المفترض أن يكون مختلفًا، لكن من خلال السير الذاتية لبعض أعضائه، يبدو أن بعضهم يتبنى سياساتٍ أكثر تشددًا. وقد يعطي ذلك انطباعًا بترجمة خطط ترامب السابقة، مثل ضم أكثر من 30% أو 40% من غور الأردن، ومستقبل القدس، والاعتراف بها عاصمةً لإسرائيل. وبالتالي، تزداد المخاوف؛ لأن السياق الذي يعود فيه ترامب الآن أكثر تعقيدًا من ولايته الأولى، بالنظر إلى قضية غزة، والقضية الفلسطينية، وواقع لبنان، وتعقيدات المشهد الإقليمي بشكلٍ عام.

هنالك سوء فهم يقابله نوعٌ من التمنيات بفكرة أن قدوم ترامب قد يحل كل شيء، بينما رئاسته الأولى لم تُفضِ إلى حلولٍ شاملة، بغض النظر عن قدرة أمريكا. فهناك محددات بنيوية لا تتعلق بالولايات المتحدة فقط، بل تشمل إسرائيل وديناميكياتها السياسية الداخلية، وكذلك العلاقات الأمريكية – الأوروبية. والسؤال المطروح هنا: هل ستشهد الفترة القادمة تعزيزًا لسطوة اليمين الإسرائيلي، أم ستكون بداية تصدع؟

في ولايته الأولى، لم تتعامل الأطراف العربية مع ترامب في سياقٍ جمعي. أما الآن، فهل هناك رؤيةٌ عربية متوافق عليها تجاه القضية الفلسطينية؟ وهل يمكن لهذه الرؤية أن تؤثر في السياسة الأمريكية لتعديل الطروحات السابقة؟ الواقع العربي الآن مختلف، والجميع يدرك ضرورة حل القضية الفلسطينية. وفي ولاية ترامب الأولى، كانت أولويات الدول العربية مختلفة، وكانت مسألة التطبيع والاتفاقيات الإبراهيمية أقل ارتباطًا بحل الدولتين. أما الآن، فهناك موقفٌ عربي أكثر إلزامًا، مثل موقف السعودية الداعي إلى حل الدولتين، فضلًا عن تحالفاتٍ جديدةٍ تطالب بهذا الحل، وطبيعةٍ متغيرةٍ للعلاقات في المنطقة مع قوى دولية مثل الصين وروسيا.

لذلك، تطرح تساؤلاتٌ مهمة في هذا الصدد:

  • هل الدول العربية لديها القدرة على التأثير في ترامب بشأن القضية الفلسطينية؟
  • هل العلاقات الأوروبية-الأمريكية ستشهد توترًا كما في السابق، أم ستسير نحو وفاق؟

في ظل حالة عدم الوضوح واللايقين، وفي ضوء التجربة السابقة مع ترامب، فإن عودته بالنسبة إلى القضية الفلسطينية تشكل تحديًا كبيرًا للأردن. ما دون ذلك، إدارة ترامب لا تشكل تحديًا جوهريًا؛ فالأردن ليس لديه إشكالية في التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهناك روابط اقتصادية وشراكاتٌ أمنية.

بدأت ملامح السياسة الأردنية في التعاطي مع ترامب تتجه نحو نهجٍ متوازنٍ يتطلب تعييرًا دقيقًا لاستيعاب الإدارة والتعاون معها. فالتصادم الاستراتيجي بين البلدين سيكون مضرًّا للطرفين وله نتائج كارثية بالنسبة للأردن. لذلك، يتعاطى الأردن مع عودة ترامب في سياق ضبط دقيق يوازن بين تطوير الفرص المتاحة وتخفيف التداعيات المحتملة. وفي نهاية المطاف، يجب القول إن القضية الفلسطينية أعقد من أن تدار من قبل دولةٍ واحدة؛ فالأمر يعتمد على الجانبين الفلسطيني والعربي أيضًا.

فريق تحرير JPS: هل تشير إلى أنه إذا أراد الأردن تجنب أسوأ السيناريوهات، فيجب عليه السعي لتحقيق توافق عربي؟ ما هي الخطوات التي يمكن لصانع القرار الأردني اتخاذها؟ وماذا نعني بـ “التعيير”، خاصة وأنك ذكرت سابقًا أن الخطاب الأردني في بداية حرب غزة كان متشددًا؟

المومني: أولًا، يجب على الأردن أن يعتمد بشكل رئيسي على جبهة داخلية قوية وأن يكون واعيًا بما يواجهه من تحديات. ثانيًا، لا بد من تعبئة شبكات العلاقات الدولية والانخراط مع الولايات المتحدة وأوروبا. العلاقات مع أوروبا ليست بنفس درجة التحدي كما هو الحال مع العلاقة مع ترامب. ومن خلال الأصدقاء الأوروبيين، يمكن للأردن أن يحصل على الدعم في حال تعرضه لضغوط متنوعة.

العلاقات الأردنية-الأمريكية عميقة الجذور؛ لذلك يجب على الأردن أن يلعب دورًا مؤثرًا في السياسة الأمريكية، وينخرط مع الإدارة الأمريكية بالإضافة إلى القوى الاجتماعية والسياسية الأخرى، ويحاول التأثير على هذه المسارات.

من الجانب العربي، الموقف العربي-الإسلامي مهم جدًا في هذا السياق، ويجب أن يكون هناك رؤية عربية واضحة في التعامل مع ترامب، على الأقل من الدول النشطة في القضية الفلسطينية، بحيث يخلق الأردن واقعًا مفاده أنه ليس هدفًا سهلاً في مواجهة الضغوط الإسرائيلية. الواقع الآخر الذي يدعم هذا الموقف هو الواقع الفلسطيني، بمعنى أن الفلسطينيين يجب أن ينتقلوا من حالة الانقسام إلى التوافق، لأن الأمور واضحة أنها ستتجه في النهاية نحو وقف إطلاق النار. ونعتقد أن نتنياهو يماطل حتى يتولى ترامب السلطة، لأن شروط الاتفاق قد تكون أفضل في ظل دعم ترامب له.

من المهم تحقيق وقف إطلاق النار، لكن المشكلة الحقيقية تكمن فيما سيأتي بعده، فيما يتعلق بالقضايا العالقة مثل مستقبل قطاع غزة، ومستقبل عملية السلام، وفكرة أن إسرائيل تخلق واقعًا جديدًا في المنطقة، مثلما حدث في لبنان. بعيدًا عن السياق المثالي، سيضطر الأردن بالتأكيد إلى تقديم تنازلات، لكنه لن يتنازل عن خطوطه الحمراء.

فريق تحرير JPS: هل باستطاعة الأردن الاستمرار بالتمسك بالخطوط الحمراء؟

المومني: نعم، ما يزال الأردن يمكنه التمسك بخطوطه الحمراء، لأنه في نهاية المطاف، ما الذي يعني القبول بحل على حساب الفلسطينيين في سياقه الجغرافي والديموغرافي؟ وهل ستبقى الأمور متروكة عائمة! واقع الديموغرافيا قد يتحول ليشكل ضغطًا كبيرًا على الأردن.

كل ما ذُكر هو منظور تحليلي. نحن نحاول إعادة بناء الصورة، لكن عدم الوضوح وحالة اللايقين أكبر بكثير من القدرة على بناء تصورات واضحة. ذلك نتيجة لوجود إشكالية في اللاعبين وإشكالية في القضايا. بتقديري، أكثر ما يعقد المشهد هو إشكالية الموقف الأمريكي والموقف الإسرائيلي، وهذا يشكل تحديًا بالنسبة للأردن وللقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى أن أحد التحديات هو السياسة العربية، وهنالك إشكالية في مسألة الاستقطاب تجاه القضية الفلسطينية.

فريق تحرير JPS: كيف ننظر لمستقبل العلاقة مع إسرائيل؟ بالنسبة للأردن كدولة صانعة للسلام وملتزمة بالاتفاقيات الدولية مثل وادي عربة وما ترتب عليها، فإن الأردن لم يخرق هذه الاتفاقيات ولم يهدد في خرقها. بالمقابل، نجد أن المجتمع الإسرائيلي، وفكر قيادته اليمينية المتطرفة لا تحترم الاتفاقيات مع الأردن، وهنالك غياب للقوى اليسارية بل غياب للعقلانية في أي طرح إسرائيلي بديل. سابقًا، اتهموا الأردن بالتلاعب والتدخل في المجتمع الإسرائيلي، ومع ذلك، يظل الأردن في معضلة بشأن كيفية التعامل مع إسرائيل بعد ” 7 أكتوبر” وما أفضت إليه.

المومني: هنالك سيناريوهين في هذا الصدد:

السيناريو التفاؤلي: وقف إطلاق النار وخلق ظروف موضوعية تخلق عملية سياسية، يشارك فيها الجميع، ولا توجد إشكالية في العلاقة الأردنية-الإسرائيلية في هذه الحالة. قد تؤدي هذه الظروف إلى إعادة تعيير العلاقة بشكل جيد، تبعًا لتطورات القضية الفلسطينية. هنالك محددات بنيوية في العلاقة الأردنية-الإسرائيلية، واحدة من هذه المحددات هي مسألة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وغياب السلام بينهما له دائمًا تأثيرات سلبية على العلاقة الأردنية-الإسرائيلية.

السيناريو الأسوأ: وقف إطلاق النار واستمرار الوضع الراهن، بمعنى أن هناك بعض الخطوات الرمزية، وهناك مساعدات موجهة إلى غزة، لكن مع ترسيخ ما أنجزته إسرائيل من هذه الحرب. وقد يصاحب ذلك نوع من الحراك السياسي والدبلوماسي، وقد تبرز أولويات دولية تسحب الاهتمام من القضية الفلسطينية. بالتالي، سيكون على الأردن أن يتعاطى مع وضع راهن صعب ومتزايد، ونتحدث هنا عن احتلال إسرائيلي لغزة، ومتى ستخرج منها، وأيضًا استمرار واقع فلسطيني ممزق. وقد ينتج الوضع الراهن في فلسطين نوع آخر من المقاومة، وهي مقاومة تحت الأرض.

إلى جانب ذلك، طبيعة العلاقات الإقليمية التي يتم تعييرها سيكون لها تأثير. ماذا لو لم تنجح إعادة تعيير العلاقة العربية مع إيران؟ واحتمالية وجود أولويات مثل إدارة أوباما التي كانت تعطي أولوية للاتفاق مع إيران، فهذا يشكل تحديًا كبيرًا في القضية الفلسطينية. في ظل غياب سلام فلسطيني-إسرائيلي، قطعًا سيبقى هنالك تذبذب في العلاقات الأردنية-الإسرائيلية. وفي العلاقة الشعبية، خلقت أحداث 7 أكتوبر ثقافة مقاومة وثقافة عدم رغبة في إسرائيل، وعدم تطبيع إلى أبعد الحدود.

وأمام هذين السيناريوهين، نعتقد أن نتنياهو يراهن على السيناريو الثاني، ويعتقد “من وجهة نظره” أن إسرائيل استطاعت إضعاف المقاومة، وأنها خلقت لمدة 10-20 سنة بيئة استراتيجية لها، وأنه لا يوجد خطر استراتيجي على إسرائيل.

فريق تحرير JPS: ماذا لو عدنا إلى مربع صفر في مسألة التطبيع، هل الدول العربية الأخرى ستستمر في رهن التطبيع في سياق القضية الفلسطينية؟ ففي فترة ترامب وما بعده، شهدنا الأزمة الخليجية، وأثرت هذه الأزمة في سياق التزاحم وتبدل الأولويات. وبالتالي، ماذا لو عاد هذا المسار مرة أخرى؟ كيف ستكون العلاقة الأردنية مع دول الخليج العربي؟ وكيف سيتصرف الأردن مع هذا الحدث -إن حصل- الذي سيفرض بالتأكيد واقعًا على الأردن؟

المومني: ستبقى العلاقة مع دول الخليج في سياقها العام استراتيجية، لكن بشكل تفصيلي، فإن علاقة الأردن متفاوتة مع دول مجلس التعاون الخليجي. هناك علاقة استراتيجية مع السعودية والإمارات، وهذا مختلف عن العلاقة مع الكويت ومع قطر أيضًا. وهنا، الأردن منغمس في السياسة الخليجية ويحاول أن يؤثر فيها، لكن أيضًا مع تجربة الأزمة الخليجية وفي قضية نقل السفارة إلى القدس، استطاع الأردن أن يتجاوب مع هذا الأمر ومع الاندفاع العربي تجاه القدس. كذلك استطاع محاولة الاستفادة من هذه العلاقة في الضغط على إسرائيل. ولا يجب أن ننسى اتفاقية المياه مقابل الطاقة.

لذلك، سينتهج الأردن استراتيجية مرنة، محاولًا استيعاب ما يجري في المنطقة واستثمار أكبر قدر ممكن من الفرص لمصالحة. لكننا لا نعتقد أن يذهب الأردن باتجاه الأسود أو الأبيض، إلا عندما يتعلق الأمر بأمور ثابتة. وبالمناسبة، تاريخيًّا، كان هنالك الكثير من المحاولات لفرض تصورات معينة، مثل كامب ديفيد، حيث حاول أحد الأطراف تجريد دور الأردن في مسألة الحكم الذاتي للفلسطينيين. استطاع الأردن، من خلال دبلوماسيته، أن يقلل الضرر ويخفف الضغط في هذا الجانب. الأسئلة التي وجهها الأردن للأطراف المعنية وبعدها قراره بعدم الدخول في كامب ديفيد كانت مثالًا على ذلك.

الأردن لاعب عقلاني يعرف حدود إمكاناته، ويجب ألا يتم تصوير الأردن كدولة ذات إمكانات كبيرة ولديها حصانة. الأردن سيحاول أن يناور، وسيحاول أن تكون سياسته دقيقة، مستغلًا الفرص ومحتويًا لتقليل أي أخطار. وهذا هو المحدد في علاقة الأردن مع الخليج. فالأردن ليست ذات مصلحة واحدة، بل هناك قضايا أخرى متعلقة بالأمن الوطني الأردني. وهنالك تحديات داخلية وخارجية، كالقضية الفلسطينية والجوار مع سوريا والرهان الاستراتيجي على العراق.

هنالك تحديان يواجهان الأردن؛ التحدي الاقتصادي وتحدي التحديث الأردني الشامل (السياسي، الاقتصادي، الإداري). هناك رؤية أردنية، والبيئة الخارجية والتحديات التي تحدثنا عنها تلقي بظلالها على هذه التحديات. عندما تصبح البيئة الخارجية بيئة مناسبة للسلم، فإن ذلك ينعكس بشكل إيجابي على الواقع الداخلي في الأردن. وعلى العكس، إذا كانت البيئة تتسم بعدم الاستقرار والخشونة، فإنها تلقي بظلالها على الأردن وستنعكس بشكل سلبي عليه. لذلك، هذه القضايا -مثلما هي خارجية- فهي تؤثر داخليًا ولها انعكاساتها.

فريق تحرير JPS: الأردن، يتوسط جيوسياسيًا بين إيران وإسرائيل، صرح برفضه استخدام أجوائه وسيادته في هذا النزاع ورفض أن يكون ساحة للتراشقات الصاروخية. هنالك تياران في هذا الاتجاه داخل الأردن؛ الأول يرى أنه يجب إعادة التفاهم مع إيران وإنتاج علاقة أكثر صداقة أو أقل مشكلات مع إيران، وهنالك من يرى العكس، لا يريد الدفع باتجاه العلاقة مع إيران. كيف ترى العلاقة من وجهة نظر الأمن القومي الأردني؟ هل ترى أن الأردن سيذهب في هذا الاتجاه أم سيبقى على الوضع الحالي؟

المومني: إعادة تعيير العلاقة مع إيران هو أمر بديهي، لكن الإشكالية تكمن في؛ من المسؤول عن سوء العلاقة؟ والإشكالية الأخرى: كيف سيكون إعادة التعيير؟

الذين يرمون الكرة في ملعب الأردن، ويقولون إن الأردن مسؤول عن إعادة تعيير العلاقة، يرتكبون نوعًا من الظلم وعدم فهم للواقع؛ الأردن يدير العلاقة مع إيران ضمن ما يجري في السياسة الدولية للشرق الأوسط، ولا يوجد عداء أردني تجاه إيران. العلاقة قائمة، والأردن لا ينظر إلى إيران كعدو، ولكن الإشكالية تكمن في أن السلوك الإيراني في المنطقة والسياسة الخارجية الإيرانية تشكل تهديدًا للمنطقة العربية وبالتالي تهديدًا للأردن. وهنا يجب القول إن الأردن حاول إعادة تعيير العلاقة، خصوصًا عند قدوم رؤساء إصلاحيين، وبالتالي فإن الكرة في الملعب الإيراني.

هذا يعتمد على كيف تنظر إيران للأردن؛ الأردن كلاعب عقلاني ويقر بأن إيران دولة رئيسية في المنطقة ويتعاطى معها. وكان هنالك محاولات عديدة في هذا السياق. في الأشهر الأخيرة، هنالك تطورات أثرت على العلاقة بسياقين، سلبي وإيجابي؛ فالسياق السلبي، نجده في موضوع الجنوب السوري؛ حيث أصبحت إيران مجاورة للأردن من ناحية سوريا أو العراق من حيث النفوذ. سلوك إيران تجاه الأردن واضح عندما تدعم ميليشيات، وعمليات التهريب، ومحاولات تأسيس موطئ قدم لها في الأردن.

أما التطورات الأخرى التي حصلت في 7 أكتوبر والاستدارة التي بدأت تحصل في السلوك الإيراني، التقطها الأردن بشكل أساسي عندما جاء رئيس إصلاحي. وكانت فكرة الأردن أنه لا بد من الاشتباك مع إيران ومحاولة استكشاف موقفها ومساعدة الرئيس الإيراني “مسعود بزشكيان”، الذي يحاول أن إعادة ضبط العلاقات. لذلك، كانت هناك مبادرات أردنية تجاه إيران، ترغب بإعادة تعيير العلاقات على أسس مصلحية ومبادئ قائمة على تفاهمات مشتركة، بعيدًا عن الرغبة في الهيمنة والنفوذ.

هنالك قضايا أخرى أيضًا مثل القضية الفلسطينية؛ حيث استطاعت إيران الدخول بكثافة على القضية الفلسطينية، ولها وجود قوي في سوريا، مما يشكل تهديدًا. لذلك، تُعتبر إيران واحدة من العوامل الرئيسية التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن الأمن الوطني الأردني.

في العراق، تشير الكثير من التحليلات إلى أن واحدة من معيقات التعاون الاستراتيجي، الذي كان الأردن يبني عليه آمالًا كبيرة بينه وبين العراق، هو تأثير إيران في صناعة القرار في العراق. لذلك، إيران جغرافيًّا بعيدة، ولكن عمليًّا هي قريبة ومجاورة للأردن، وضمن الجوار الجغرافي المؤثر في الأمن الإقليمي للأردن.

فريق تحرير JPS: محمد شياع السوداني، عندما بدأ زياراته الخارجية، بدأ بالأردن، وكانت الأردن بالنسبة له قناة مهمة جدًا في العلاقة مع الولايات المتحدة. اليوم، هل يمكن أن تتخذ إيران نفس هذا المسلك من خلال الأردن؟ أم أن الطريق الخليجي بالنسبة لها أسهل وقد يكون أكثر فاعلية؟

المومني: عند التحدث عن الأولويات بالنسبة إلى إيران، ستكون أولوياتها في محيطها الجغرافي المباشر. وفي مسألة التفاهم مع الولايات المتحدة، هنالك مسبقًا قنوات خليجية أصلًا أكثر فعالية من القناة الأردنية لإيران، مثل قطر. الأهمية الأردنية بالنسبة إلى إيران متعلقة بالواقع السوري، والواقع العراقي، والواقع الفلسطيني. وبذلك، فإن العلاقات مع أمريكا مهمة أيضًا في هذا الاتجاه. ولكن عندما ترتب إيران أولوياتها، فإنها ترتبها بحسب العلاقة مع الخليج والعلاقة مع العراق. ولا ننسى أن إيران أيضًت استثمرت كثيرًا في العراق وفي سوريا. والأردن جزء من كلا السياقين؛ السياق السوري والسياق الفلسطيني. وهذا ما أكدته أحداث 7 أكتوبر. وهنالك أيضًا سياق إسرائيلي في هذا الصدد، وقد يُنظر له إيجابيًا أو سلبيًا، كافتراض أن أي تأثير إيراني على الأردن سيكون له انعكاسات، وقد تُعتبر رسائل إلى الحلفاء الأمريكيين وغيرهم حول تنامي النفوذ الإيراني في الإقليم.

فريق تحرير JPS: إذا أردنا أن نبقى في السياق العراقي، وفي ظل وجود حكومة الإطار التنسيقي (المكونة غالبيتها من قوى “يمين” شيعية)، هنالك من يرى أن العلاقة أصابها نوع من الخمول، رغم أن العلاقة كانت قد تقدمت خطوات في نهاية حقبة ترامب بوجود رئيس الوزراء السابق “عادل عبدالمهدي”، وشهدت مزيدًا من التقدم في عهد الديمقراطيين مع وجود شخصية مثل مصطفى الكاظمي. ورأينا حينها مشروع المشرق الجديد. اليوم، إذا ما أردنا تقييم هذه العلاقة، هل حقق الأردن -ولو جزئيًا- ما يطمح إليه؟ وهل يمكن أن نشهد تحولًا -باتجاه السلب أو الإيجاب- في العلاقة مع العراق مع عودة ترامب؟

المومني: العلاقة الأردنية العراقية مستقرة، وتطور العلاقات الأردنية-العراقية يخضع لمجموعة عوامل داخلية وإقليمية ودولية. بالنسبة للعوامل الدولية، لا توجد إشكالية، فالولايات المتحدة تدعم دائمًا تعزيز العلاقة الأردنية – العراقية. الإشكالية تكمن في الجانب الإقليمي وديناميكيات السياسة الداخلية العراقية. والموضوع الإيراني هو موضوع حاسم، لأن التأثير الإيراني في السياسة الداخلية العراقية قوي، رغم رغبة الجميع بوجود دور عراقي قوي، إلا أن الدور الإيراني لا يمكن إنكاره سواء في السياق العسكري أو السياسي.

لكن إذا حصلت مسألة إدماج إقليمي في المنطقة، فإن العراق لن يكون بعيدًا عنها، بل سيكون داخل عملية الإدماج. وقد تكون الضغوط التي يتعرض لها العراق (مثل تقليم أظافر الجماعات المسلحة) فرصةً لتحسين الوضع الإقليمي. وإذا تحدثنا في سيناريو تفاؤلي أكثر: ماذا لو حصل اتفاق أمريكي-إيراني حول الاتفاق النووي؟ أجواء الانفراج في المنطقة، إذا حدثت، ستساهم في مسألة الإدماج الإقليمي.

لكن ما هو مطروح على الطاولة كثير، ولا نعتقد أن فترة ترامب (4 سنوات) ستحل المسائل الكبرى مثل الملف اليمني وغيره. هنالك نوع من التضخيم والخوف من قدرة ترامب نتيجة وعوده وشعاراته. لكن ترامب كان موجودًا ولم يحل مسألة أوكرانيا وجزيرة القرم التي ما زالت قائمة، ولم يحل مسألة كوريا الشمالية، ولم يستطع حل القضية الفلسطينية، بل اتخذ خطوات أحادية الجانب لم يعترف بها أحد، كذلك، لم ينظم العلاقة مع الصين.

لذلك، هذه اجتهادات ومحاولة لرسم صورة أقرب إلى الواقع مع رؤية استشرافية. حتى نتعاطى مع اللايقينية وعدم الوضوح. وفي ظل هذا التزاحم، يأتي الأردن في حالة طبيعية في ظل حالة جيوسياسية معقدة. ولا نتوقع أن يتصرف الأردن بلون أسود أو أبيض، بل سيتصرف بمنطلق واقعي عقلاني براغماتي بما يتلاءم مع ترتيب أولوياته ومصالحه.

فريق تحرير JPS: مع استمرار التوترات الإقليمية وتطور المشهد السياسي المعقد في سوريا، كيف يؤثر الوضع الحالي بعد انهيار نظام الأسد على المصالح الأمنية الوطنية للأردن، خاصة بالنظر إلى الحدود المشتركة، وأزمة اللاجئين، والديناميكيات الجيوسياسية التاريخية بين البلدين؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه الأردن في المساهمة باستقرار سوريا؟ وما الذي يجب القيام به لحماية المصالح الوطنية الأردنية في هذا المشهد الجديد؟

المومني: لا شك أن الوضع في سوريا له تأثير كبير على الأمن الوطني الأردني. الأردن وسوريا مرتبطان جغرافيًا، مما يجعل التأثيرات تمتد إلى جميع مستويات المجتمع. يستضيف الأردن حاليًا أكثر من مليون لاجئ سوري، كما أن هناك علاقات تجارية واقتصادية كبيرة بين البلدين. وبالتالي، فإن أي تغييرات في المشهد السياسي السوري يمكن أن تترك آثارًا عميقة على الأردن.

من منظور تاريخي، لطالما أثرت سوريا على الأردن بسبب السياق الجيوسياسي. تظل سوريا أولوية ملحة بالنسبة للأردن، مماثلة لأهمية القضية الفلسطينية. السيناريو المتفائل يتمثل في استقرار سوريا تدريجيًا وبدء عملية سياسية شاملة. هذا يمكن أن يؤدي إلى توافق على دستور جديد وتعزيز عملية بناء السلام التي تشمل جميع المجموعات الاجتماعية والعرقية والحركات السياسية. مثل هذه التطورات قد تخلق بيئة إيجابية، تؤدي في النهاية إلى استقرار سوريا، مما سيكون له أثر إيجابي كبير على الأردن.

على الرغم من أن سوريا تاريخيًا قد شكلت تحديات للأردن، إلا أن الوضع منذ عام 2011 أوجد مجموعة معقدة من القضايا. إذا حققت سوريا الاستقرار وأطلقت عملية سياسية شاملة، فإن الأردن سيدعم هذه التطورات بالكامل. ومع ذلك، إذا عادت حالة عدم الاستقرار، لا قدر الله، وخلقت تحديات أمنية جديدة، فيجب على الأردن أن يكون مستعدًا للتعامل مع قضايا مماثلة لما واجهه منذ عام 2011.

الأردن حافظ على مشاركة دبلوماسية استباقية مع سوريا. ومنذ انهيار نظام الأسد، اتبع الأردن سياسة المشاركة الثنائية ومتعددة الأطراف مع الشركاء، محددًا مبادئ أساسية لاستقرار سوريا. ومن المهم أن يواصل الأردن هذه المشاركة الدبلوماسية مع استكشاف مختلف السبل لدعم استقرار سوريا. هناك العديد من المصالح الوطنية الأردنية على المحك، بدءًا من الأمن في جنوب سوريا إلى الاعتبارات الاقتصادية وأزمة اللاجئين التي تمثل ضغطًا كبيرًا على الموارد. لذلك، يجب على الأردن الاستمرار في التعامل مع الأطراف الجديدة في السلطة في سوريا، مع الحفاظ على التنسيق الإقليمي مع الأطراف التي تشترك في رؤية مستقبلية مشابهة لسوريا.

فريق تحرير JPS: ما طبيعة العلاقة الأردنية مع الاتحاد الأوروبي اليوم؟ أوروبا اتخذت خطوات مثل إرسال مبعوثين إلى سوريا قبل سقوط النظام، ورأينا بعض التباين في المواقف. إلى أي مدى يمكن للأردن الاعتماد على الجانب الأوروبي لمواجهة السياسات الإسرائيلية والعمل نحو إيجاد حل؟

المومني: يمكن للأردن الاعتماد على أوروبا، لكن التحدي يكمن في قدرة الاتحاد الأوروبي على التأثير على السياسة الأمريكية، حيث تلعب الولايات المتحدة دورًا في تشكيل المواقف الأوروبية أيضًا.داخل الاتحاد الأوروبي، هناك مجالات اتفاق وخلاف. في حين أن هناك موقفًا أوروبيًا عامًا داعمًا للقضية الفلسطينية، إلا أن المواقف تجاه إسرائيل تختلف بشكل كبير.فخلال ولاية ترامب الأولى، شهدت العلاقات الأمريكية-الأوروبية توترًا كبيرًا، مما خلق مخاوف عديدة. وبالتالي يتمتع الأردن بقدرة على التنقل بفعالية وسط هذه الديناميكيات.

السؤال الأساسي، مع ذلك، هو: هل تحتاج الولايات المتحدة إلى بوابة أوروبية لتعديل موقفها تجاه الأردن؟ أم أن الولايات المتحدة تدرك بالفعل حساسية الأردن ونهجه البراغماتي، مما يسمح بتكوين موقف دولي؟

في السياق الأوروبي، يمكن لدول مثل المملكة المتحدة (رغم أنها خارج الاتحاد الأوروبي) أن تلعب دورًا في الوساطة بين الأردن والولايات المتحدة في حال وجود خلافات. مدى هذا الدور يعتمد على طبيعة العلاقة الأمريكية-الأوروبية خلال فترة ترامب الحالية. أما الشراكة الاستراتيجية بين الأردن وحلف الناتو تمنح الأردن نفوذًا، لكن يبقى السؤال المركزي؛ لماذا يحتاج الأردن الاتحاد الأوروبي للتوسط في علاقته التاريخية والمميزة مع الولايات المتحدة؟

زر الذهاب إلى الأعلى