السياسة الأمريكية في عهد ترامب … ما وراء الأبعاد النفسية

ما تزال التساؤلات كثيرة، والشكوك كبيرة، حول ملامح المرحلة القادمة بعد عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، إلى البيت الأبيض وما أبداه من تصريحات مثيرة سواء على مستوى السياسات الداخلية أو السياسات الخارجية، وتحديدًا على صعيد الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية. ورغم بعض المؤشرات الواضحة التي يطلقها ترامب، إلا أن المستقبل يبقى غامضًا في ظل تداعيات القرارات التي يتخذها أو ينوي اتخاذها.
على إثر ذلك، نظم معهد السياسة والمجتمع جلسة نقاشية في 10 فبراير/شباط، استضافت د. محمد خير عيادات، أستاذ النظرية السياسية في الجامعة الأردنية. وقد سلطت الجلسة الضوء على جوانب عديدة، من أبرزها؛ محاولة فهم سياسات ترامب من خلال شخصيته، وكيف سيؤثر ذلك على السياستين الداخلية والخارجية.

شخصية ترامب الواضحة التي يكتنفها بعض الغموض
يرى عيادات أن ترامب لا توجد لديه القدرة على ربط الأفكار ببعضها البعض، ويظهر ذلك خطاباته وتصريحاته، بالإضافة إلى جزء آخر من شخصيته وهو الرغبة التي يبديها دائمًا بالانتقام، نتيجة ما جرى معه في رئاسته الأولى والخسارة التي مُني بها بعد ترشحه للولاية الثانية أمام جو بايدن. إلى جانب ذلك يبدو واضحًا أن شخصيته وما تحملها من أبعاد نفسية تؤثر بشكل واضح على مستوى العلاقة المباشرة، وعلى مستوى السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة. الأمر الذي دفع أستاذ النظرية السياسية للقول بأن العلاقة مع الرئيس الأمريكي الحالي لا ينبغي أن تكون تصادمية لأن ذلك سيولد لديه الرغبة في التوجه بطريقه معاكسة لنظيره أو من سيعده خصمه، فهو يمارس استراتيجية “الرجل المجنون” حتى لو استبعدنا أنه قرأ عنها أصلًا.
ترامب والسياسة الداخلية … بين الرغبة بتصفية الخصوم وأبدية الحكم
على صعيد السياسة الداخلية لترامب؛ يشير عيادات لمنشور تحت عنوان (Project 2025) الذي صدر عن مؤسسة هيرتج Heritage، وهذا الكتاب عن المشروع الذي تم انجازه خلال سنة بلغت تكلفته 40 مليون دولار، وأنكر ترامب حينها أن له علاقة بالمشروع، ليتضح أنه منح المؤلفين بعد ذلك وظائف داخل البيت الأبيض، وهذا قد يشير بوضوح إلى وجود علاقة فيما بينهم.
يستطرد عيادات بالقول إن الكتاب يعبر عن برنامج يمكن تسميته بـ “العقائدي” ويحتوي على بُعد أكاديمي وتحليلات، يسعى من خلالها إلى إعادة تعريف الولايات المتحدة كدولة تعبر عن البُعد الديني من جهة، والبُعد القومي العرقي من جهة أخرى، ويمكن القول، بحسب عيادات، إن قرارات ترامب الأخيرة وتصريحاته تقع ضمن التمهيد للبدء بهذا المشروع وهو ما يوضح في ثلاثة أبعاد:
- القواعد الانتخابية: كان من اللافت أنه ولأول مرة لم يلتق، بنيامين نتنياهو، بالجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية عند زيارته، حيث دعا ترامب إسرائيل إلى إعادة تقييم أولوياتها واستراتيجيتها في التعامل مع اليهود في الخارج، وبعد المقارنة التي تم إجراؤها تبين أن هنالك 5 – 6 مليون يهودي في الولايات المتحدة بالمقابل في 20 مليون ايفنجليكانز(الإنجيليون)، وهم من المؤيدين لإسرائيل، بينما هنالك ملايين اليهود الذين ينتقدون إسرائيل وسياستها ومتعاطفين مع الفلسطينيين، وهم ضد الصهيونية، لذلك فضّل رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم اللقاء بهم، في زيارته الأخيرة.
- العمل على إعادة هيكلة التربية والتعليم والقضايا المرتبطة بالتنوع، المساواة، وإدماج الآخر: وهذا كشعار يجب أن ينتهي بالولايات المتحدة بحسب تصورات ترامب، وهو ما يرتبط بالقومية العرقية أيضًا، كما أصبحت القضايا المرتبطة بالجنس الثالث تأخذ أولوية أساسية لدى ترامب.
- دور الحكومة الفيدرالية: على الرغم من “حيادية” الحكومة الفيدرالية، إلا أنها تُتهم من ترامب بتأييد الديمقراطيين وهذا له بعد شخصي بالنسبة لترامب، ولن تكون الحكومة الفيدرالية نفسها من ناحية العدد والموظفين، وسيحل محل الموظفين أشخاص ولاؤهم لترامب، كما يرى عيادات، وهذا يوفر له عدم المتابعة والملاحقة القانونية وعدم المسؤولية، كما أنه يسعى إلى إعادة تعريف الولايات المتحدة كدولة مسيطر عليها من دولة حكم الحزب الواحد، ويريد أن يجعل الجمهوريين الذين يشاركوه في قناعاته حزب دائم يحكم الولايات المتحدة، وهذا يعد طموحًا بالنسبة له على المدى البعيد.
شخصية ترامب وتأثيرها على السياسة الخارجية
أما على صعيد الملف الخارجي تناول عيادات قضيتين أساسيتين في السياسة الخارجية الأميركية:
الأولى؛ السؤال المتعلق بإدارة ترامب إذا ما كانت انعزالية أم لا، وجزء من هذه الانعزالية مرتبطة بفرض التعرفة الجمركية على الدول، وهذا لن يستثنى منه لا صديق ولا عدو، وأشار ترامب إلى فكرة المعاملة بالمثل، وبحجم الضرائب التي تفرضها الدول على الولايات المتحدة، سيُفرض عليها نفس الشيء، وفرض 25% على استيراد الحديد والالمنيوم والذي يشكّل عمليًّا إعادة فرض للضريبة على المكسيك وكندا كمثال.
الثانية؛ موضوع علاقة الولايات المتحدة بالصين، وهذا قد يفسر السبب الذي يقف وراء تصرف ترامب بطريقة استفزازية مع الجميع؛ فهو يرى أن الصين هي التي تشكل خطرًا وتهديدًا حقيقيًّا على الولايات المتحدة، من ناحية اقتصادية وعسكرية وتستطيع الولايات المتحدة التعامل مع الصين بدون وجود حلفاء أو تكتلات بمن فيهم حلف الشمال الأطلسي والحلف الأوروبي.
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فبحسب عيادات، فإن هذه المنطقة لا تحظى بأهمية كبيرة من وجهة نظر ترامب، ويعتبره قضاياها هامشية. لكن يستدرك بالقول إن ذلك لا ينطبق على إسرائيل التي تعتبر من مسلمات الأولويات بالنسبة له، ولن يدفع باتجاه إجباراها على ما لا ترغب بالقيام فيه. وهنا يشير عيادات إلى شخصية مهمة كانت ضمن حملة ترامب الرئاسية وهي، مريا اديلسون، والتي تعد إحدى أكبر الداعمين لترامب وقدمت 100 مليون دولار، وهي إسرائيلية وبطبيعة الحال تدعم ضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين. ولعل ما سبق يوضح السبب وراء دعم ترامب المطلق لإسرائيل رغم عدم أهميتها استراتيجيًّا، وفي داخله يعد معاديًا للسامية، وإن لم يكن يصرح بذلك، كما يرى عيادات.
ترمب وغزة والمشروع العقاري في الشرق الأوسط
أشار عيادات إلى أن ترامب طرح رغبة السعودية في الاستثمار بالصندوق السيادي بمبلغ مقداره 500 مليار دولار أمريكي، خلال الأربع سنوات القادمة لإدارته، بالإضافة إلى علاقته وعلاقة ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، واللذان يعدان شريكين عقاريّين مع بعض الأطراف الخليجية، ولعل ذلك يوضح أن بُعد العقارات جزء من سياسة ترامب غير المعلنة. كذلك جاريد كوشنر الذي حاول تأسيس شركة استثمارية تتجاوز قيمتها 2 مليار دولار ومن قام بتمويل هذا المشروع هي أطراف خليجية.
يذكر عيادات، أن أول من أشار إلى القابلية العقارية في غزة هو كوشنر، ومن الممكن أن يكون هذا السبب في تصريح ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة، وكان يأمل أن تكون إعادة الإعمار على يد دول الخليج وسيكون كوشنر هو الشريك الصامت في هذا المشروع بحسب التحليلات.
لا ينظر ترامب إلى غزة كملف مهم، أو كقضية دولية، بل هي مشكلة إسرائيل والدول المجاورة وحلها مرتبط بالإقليم نفسه، لذا يرى عيادات إلى أن القادم بالنسبة لغزة سيكون باتجاه التهدئة وليس التصعيد.
في مقابل ذلك، يعتقد عيادات أن الدول العربية بإمكانها التأثير على ملف القضية الفلسطينية بشكل أكبر، وأن الدول التي قد تنقطع عنها مساعدات الولايات المتحدة بسبب مواقفها إزاء القضية الفلسطينية، بإمكان دول الخليج تعويضها.
أردنيًّا، ينظر عيادات إلى أن الأردن يمثل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية أكثر من أهمية إسرائيل استراتيجيًّا بالنسبة للولايات المتحدة، لذلك فمن ناحية الأهمية الاستراتيجية يجب أن يتلقى الأردن دعمًا أكبر بكثير من الوضع الراهن، لعدة أسباب تتمثل في:
- أن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية كما تدعي.
- أن هنالك فارق في تشكيل الدولة نفسها بين الأردن وإسرائيل، فإسرائيل قائمة على تهميش الآخر وهذا معاكس للأردن الذي يعطي مساحة للآخر.
- أن الأردن وعلاقته الجيدة بالإقليم والعالم، والدور المهم كعامل استقرار للشرق الأوسط.