السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط في عهد ترامب
تقرير جلسة مغلقة مع البروفيسور ناثان براون
عقد معهد السياسة والمجتمع مساء يوم الأحد 1 حزيران/يونيو 2025 جلسة نقاشية مغلقة مع البروفيسور ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، والباحث الأول غير المقيم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والأستاذ الفخري في الجامعة الأردنية، أحد أبرز الباحثين في السياسة الخارجية الأمريكية وشؤون الشرق الأوسط. تناولت الجلسة ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة، مع تركيز خاص على نهج إدارة ترامب في ولايتها الثانية.
النقاط الرئيسية:
- غياب استراتيجية أمريكية متماسكة في الشرق الأوسط: أكّد البروفيسور ناثان براون أن الولايات المتحدة، لا سيما في عهد إدارة ترامب، تفتقر إلى إطار استراتيجي واضح تجاه الشرق الأوسط. وقد تميزت السياسة الخارجية الأمريكية خلال هذه الفترة بطابع شخصي ومركزي ومرتجل، حيث سيطرت انفعالات الرئيس على توجهات السياسة أكثر من التخطيط المؤسسي. كما تجاوزت عملية صنع القرار القنوات التقليدية، مما ساهم في تآكل القواعد الناظمة وكرّس نمطًا تفاعليًا لا استراتيجيًا في التعامل مع المنطقة.
- استمرارية العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية لكن بطابع مختلف: رغم أن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لا يزال راسخًا، أشار براون إلى أن عهد ترامب أعاد تشكيل طبيعة هذه العلاقة. فقد أصبحت مرتبطة بشكل أكبر بمصالح القواعد الداخلية من الإنجيليين والتيارات اليمينية، ما جعل الدعم الأميركي لإسرائيل شبه غير مشروط. ورغم وجود توترات بين الحين والآخر، فإن حدوث قطيعة دبلوماسية بين الطرفين يُعدّ أمرًا غير مرجح. وفي المقابل، لم يعد المشهد السياسي الإسرائيلي مهيأً لأي عملية سلام فعلية، ما جعل حل الدولتين أمرًا غير قابل للتحقق عمليًا.
- تراجع الدبلوماسية وتزايد الطابع التجزيئي في الانخراط الإقليمي: رسم براون صورة متشائمة للانخراط الأميركي في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى صعوبة تحقيق نظام إقليمي عربي مستقر في ظل النهج الأميركي القائم على المعاملات الثنائية لا الرؤية الشاملة. كما شدّد على انهيار مسارات الدبلوماسية الرسمية في الملف الفلسطيني، داعيًا إلى الاستثمار في القيادة المجتمعية والمجتمع المدني باعتبارهما المسار الأكثر واقعية في ظل غياب عملية سلام قابلة للحياة.
استهل البروفيسور براون حديثه بتشخيص واضح؛ لا توجد لدى الولايات المتحدة حالياً استراتيجية متماسكة تجاه الشرق الأوسط. وأوضح أن ما يتوفر هو مجرد ردود فعل متفرقة وليست إطاراً عاماً أو رؤية شاملة. ورغم ما يُعتقد بأن القرب من دوائر صنع القرار في واشنطن يمنح وضوحاً أكبر، إلا أن براون أشار إلى أن المشهد هناك لا يقل غموضاً، بل يبدو أكبر حجماً فقط. ووصف سياسة إدارة ترامب بأنها مركزية وشخصية إلى حد بعيد، حيث تُبنى العلاقات الثنائية وفقاً لأهواء الرئيس ومزاجه، لا على أسس مدروسة بعيدة المدى. وبيّن أن أبرز من ينجح داخل هذه الإدارة هم أولئك الذين يستطيعون استباق تحركات الرئيس وتوجيهها.
وحول أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، أشار براون إلى أن إسرائيل ما تزال تحتل موقعاً مركزياً، رغم أن طبيعة هذه العلاقة قد تغيرت. فالالتزام الأمريكي تجاه إسرائيل راسخ منذ ما بعد عام 1948، إلا أن إدارة ترامب قدّمت دعماً غير مشروط في الغالب، مدفوعاً بحسابات سياسية داخلية، ولا سيما لدى الإنجيليين والتيارات اليمينية المتطرفة، أكثر منه بتقديرات دبلوماسية مؤسسية. وعلى الرغم من لحظات التوتر العلني بين شخصيتي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو؛ إلا أنه استبعد براون أن يحدث شرخ فعلي بين واشنطن وتل أبيب، لأن القيادات الإسرائيلية ستكون الخاسر الأكبر في هذه الحالة.
وفيما يتعلق بإيران، أوضح براون أن سياسة الإدارة الأمريكية تراوحت بين الضغط الأقصى والانخراط الانتقائي. وأكد أن العلاقات الأمريكية مع إيران وغيرها من دول المنطقة لا تُبنى على أسس أيديولوجية واضحة، بل على المكاسب السريعة المحتملة والعلاقات الشخصية والانقسامات الداخلية داخل الإدارة نفسها. وأشار إلى أن تقويض المؤسسات البيروقراطية، وعلى رأسها مجلس الأمن القومي، أدى إلى مشهد سياسي مليء بالتناقضات وردود الأفعال غير المنتظمة.
تحدث براون أيضًا عن تآكل القواعد المؤسسية في واشنطن، مبيناً أن اتخاذ القرارات بات يتجاوز القنوات التقليدية، وأن الكثير من القواعد غير المكتوبة تم كسرها. واعتبر أن ضعف الرقابة من جانب الكونغرس أسهم في تعميق هذا التوجه، مع احتمال تغير المعادلة تبعاً للتطورات الانتخابية المقبلة. وأضاف أن هناك مؤشرات على استعداد الرئيس للعمل خارج حدود القانون في بعض الحالات.
وحول التوازنات الإقليمية، أعرب براون عن تشاؤمه إزاء إمكانية تحقيق الدول العربية نتائج استراتيجية مستدامة دون تدخل أميركي. ورغم وجود فرص حقيقية، إلا أنه اعتبر أن مستوى التنسيق المطلوب لتحقيقها غير مسبوق، وأن إدارة ترامب تميل إلى تقويض مثل هذه الجهود. وأوضح أن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط باتت تتسم بالتجزئة والبراغماتية، حيث تُبنى العلاقات على أساس ثنائي لا على رؤية إقليمية شاملة.
طرح عدد من المشاركين تساؤلات حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا ولبنان، ومستقبل القضية الفلسطينية، وتأثير الاتجاهات السياسية الداخلية مثل صعود القومية المسيحية. وفي هذا السياق، وصف براون حل الدولتين بأنه “ميت منذ عشرين عاماً”، وأن تخلّي ترامب عنه لم يغير شيئاً، إذ لم يعد المشهد السياسي الإسرائيلي يتيح قيام عملية سلام قابلة للتحقق. كما تحدث عن وجود شرخ متنامٍ داخل المجتمع اليهودي الأميركي، حيث يتبنى الجيل الأكبر رؤية أكثر دعماً لإسرائيل، بينما يميل الجيل الأصغر إلى التعامل مع القضية الفلسطينية من منظور العدالة الاجتماعية. واعتبر أن هذا الانقسام سيؤثر على توجهات الحزب الديمقراطي مستقبلاً.
وفي ما يتعلق بصعود القومية المسيحية، أقرّ براون بزيادة حضور هذه التيارات في الخطاب العام، لكنه قلّل من أثرها في صياغة السياسات الفعلية، واصفاً إياها بأنها “مؤثرة ولكن غير حاسمة”. وأوضح أن قضايا الشرق الأوسط باتت تُعامل كجزء من السياسات الداخلية الأميركية، خصوصاً منذ حرب العراق، مع تزايد تأثير القواعد المسيحية على حساب المجموعات اليهودية في بعض القضايا.
تحدث براون أيضاً عن الأردن، مستذكراً موقفاً طريفاً تمثل في قيام الرئيس ترامب بتسجيل رسالة مصورة موجهة إلى الشعب الأردني بشكل عفوي. وقال إن هذه الحادثة تعكس الطابع الشخصي والانفعالي لسياسة ترامب، مضيفاً أن الأردن لا يحتل موقعاً مركزياً في رؤية ترامب للمنطقة، وإن كان لا يقلل من شأنه. وأشار إلى أن للأردن فترات سابقة تمتع فيها بدور إقليمي أكثر بروزاً، وأن استمرار الدعم من مؤسسات مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) يُعزى إلى الأداء الفعّال للمسؤولين الأردنيين في إقناع المستويات البيروقراطية الوسطى بأهمية العلاقة.
وعندما سُئل عن خيارات الفلسطينيين في ظل انسداد أفق الحل السياسي وتآكل المؤسسات، دعا براون إلى التركيز على العمل المجتمعي المحلي وبناء المجتمع المدني، قائلاً: “حافظوا على حيوية المجتمع”. وأكد أن الأجيال القادمة ستحتاج إلى بنية اجتماعية متماسكة للانطلاق منها، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية قد تعود للواجهة داخل الحزب الديمقراطي، خصوصاً في أوساطه الشابة التقدمية.
وفي معرض حديثه عن دور الأكاديميين، أقر براون بوجود تحديات غير مسبوقة تواجه التعليم العالي في الولايات المتحدة، إلا أنه شدد على أهمية المحافظة على الصوت العلمي الرصين، القائم على التحليل لا على التهويل، معتبراً أن ذلك هو السبيل للتأثير بعيد المدى في المجال العام.
واختتم براون حديثه بالتوقعات المستقبلية، مشيراً إلى أن أي إدارة جمهورية مقبلة ستكون نسخة جديدة من ترامب، أما الإدارة الديمقراطية ما بعد بايدن فقد تتجه نحو نهج أكثر قرباً من أوروبا، وتحديداً ألمانيا الحالية. وأكد أن التوافق الحزبي التقليدي حول الشرق الأوسط قد تفكك، وأن ملامح المرحلة المقبلة لا تزال ضبابية.