السياسة الأمريكية المرتقبة تجاه العالم العربي في العهد الثاني لترامب

رصد لآراء وتحليلات إسرائيلية - معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي

يهدف هذا التقرير إلى رصد التحليلات والمواقف التي تصدر عن دوائر التفكير والتحليل في الأروقة الصهيونية والأميركية المؤيدة لإسرائيل، وفي إسرائيل نفسها، وذلك لفهم العقلية الاسرائيلية التي تسهم في بناء تصورات القادة والسياسيين الإسرائيليين اتجاه منطقة الشرق الاوسط، لما لهذه المراكز والمؤسسات من دور رئيس في عملية صنع الأفكار والتوجهات وحتى السياسات ليس فقط في تل أبيب بل في واشنطن من خلال الدور الرئيس والفاعل للوبي الصهيوني والجماعات السياسية والدينية المختلفة المؤيدة لإسرائيل.

في هذا التقرير نتناول ما جاء في تقارير وتحليلات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS، وهو معهد دراسات مستقل تم إنشاؤه إثر تداعيات “يوم الغفران” عام 1973 في جامعة تل ابيب، ويهدف إلى التأثير على سياسة الأمن القومي الاسرائيلي ومساعدة صناع القرار الإسرائيليين في اتخاذ القرارات والتخطيط للسياسة من خلال تعميق معرفتهم في المجالات ذات الصلة بأدوارهم وفي تقديم تقييم نقدي للسياسة الإسرائيلية المتطورة، ويركز على الأمن القومي، الدفاع، السياسة الخارجية، الدراسات الاستراتيجية.

يحلل هذا التقرير مقالين رئيسين؛ الأول لتشاك فريلتش، وهو باحث في معهد دراسات الأمن القومي، عمل لأكثر من عشرين عامًا في مؤسسة الأمن القومي الاسرائيلي، وإلداد شافيت، الذي عمل في هيئة استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي ومكتب رئيس الوزراء في تل أبيب، وحاليًّا هو باحث في المعهد نفسه.

أما المقال الآخر فهو لكل من أميرة اورون، وهي سفيرة وباحثة في المعهد ذاته، ومتخصصة في العلاقات الإسرائيلية – المصرية، ويوئيل جوزانسكي، وهو باحث ورئيس برنامج الخليج في معهد دراسات الأمن القومي وباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، بالإضافة إلى أوفير وينتر، وهو دكتور وباحث في معهد دراسات الأمن القومي ومحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة تل أبيب

إعلان ترامب الدرامي: المعاني والعقبات والفرص … (تشاك فريليتش – إلداد شافيت)

يرى التحليل أنّ إعلان ترامب “الصادم” بالاستيلاء على قطاع غزة وجعله “ريفييرا الشرق الاوسط” خلال 15 سنة قادمة، يكاد يكون تراجعًا تاريخيًّا لعقود من الاتفاقيات الديبلوماسية، وفيما يمكن قوله إنّ هنالك عقبات ستواجه هذا المشروع، وسيكون هنالك هجوم قوي اتجاه هذا التصريح ليس فقط من الفلسطينيين وسكان غزة على وجه التحديد، إنما أيضًا من العالم العربي والساحة الدولية وحتى من داخل الولايات المتحدة لأن هذا المشروع يمس بعقيدة الفلسطينيين والعالم العربي وقد يؤدي هذا الإعلان إلى مخاطر على المدى القريب من الممكن أن تؤثر على صفقة الرهائن بين حماس واسرائيل، وعلى المدى البعيد قد يسهم فشلها في زيادة عدم الاستقرار الاقليمي في المنطقة.

العالم العربي وإدارة ترامب 2 (السعودية ومصر والأردن وإيران والفلسطينيون: كيف ستبدو سياسة ترامب في الشرق الأوسط؟) … (اميرة أورون – يوئيل جوزانسكي – أوفير وينتر)

يرى الخبراء المشاركون في هذا التحليل أنّ سياسة ترامب تجاه الشرق الاوسط لن تكون كالولاية الاولى وذلك تبعًا لعدة متغيرات:

  • تراجع قوة إيران وما يسمى محور المقاومة.
  • مركزية القضية الفلسطينية المتجددة.
  • أهمية دول الخليج الاستراتيجية.
  • بالإضافة إلى ما شكلته حرب حماس وإسرائيل بتغيير حسابات لاعبين إقليميين.

لذلك لا يمكن تحليل سياسة ترامب تجاه الشرق الاوسط ككتلة واحدة، إنما يجب الأخذ بعين الاعتبار الأهمية الاستراتيجية لكل دولة

  1. مصر: فرص الانتقال من التوتر إلى الاستقرار

وفقًا للخبراء، تنظر مصر إلى ولاية ترامب الثانية بشكل مقلق، ويمكن تحليل رؤية  وموقف مصر من إدارة ترامب من خلال قضيتين رئيسيتين:

  • القضية الفلسطينية: فمصر ترى أن دعم إدارة بايدن لإسرائيل أدى إلى الإطالة من الحرب على غزة ثم لبنان والذي أدى إلى وقوع ضحايا مدنيين وتدمير البنية التحتية، ووصفتها المقالات المصرية بـ “المذبحة” و”الإبادة الجماعية “. فيما رأى المحللون أن هنالك جهودًا أمريكية لإحداث وقف اطلاق نار إلا أن إسرائيل تجاهلت هذا على أمل فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، إلى جانب إدارة بايدن يسلط الخبراء الضوء على إدارة ترامب السابقة تجاه القضية الفلسطينية (نقل السفارة إلى القدس والاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان بالإضافة إلى صفقة القرن التي أدت إلى اتفاقيات ابراهام).

ويمكن القول، إن التعيينات التي اجراها ترامب (وزير الخارجية، والسفير لدى الأمم المتحدة، والسفير لدى إسرائيل، والمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط)، تعزز من هذه الرؤية لدعم إسرائيل فيما حذر عمرو موسى وهو أحد الخبراء البارزين والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، من عصر الهيمنة الإسرائيلية، وما يدعم هذا هو تصريحات ترامب وكانت أولى تصريحاته “إسرائيل صغيرة ” ويجب العمل على توسيعها مما يؤخذ بعين الاعتبار الرغبة في توسيع رقعة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل.  

أما التصريح الآخر المثير للاهتمام وهو “الجحيم سوف ينشب في الشرق الاوسط إذا لم يطلق سراح الرهائن المحتجزين في غرة بحلول موعد تنصيبه”، ورأت مصر إلى ان هذا التصريح إشارة إلى أن اسرائيل تنوي ممارسة ضغوط عدوانية على حماس وغزة وهذا التصريح يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لأنه لا يمكن التنبؤ بتصرفات ترامب.

  • العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر:

 أما فيما يخص علاقة الولايات المتحدة من مصر فيمكن القول إنها كانت مستقرة بحسب، ما وصفها الخبراء، إلا أنها توترت في إدارة بايدن بسبب تخفيض المساعدات حيث أصبحت 320 مليون دولار.

في فترة ترامب الأولى كانت العلاقة بين ترامب والرئيس السيسي قوية حيث ارتفعت نسبة المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة الامريكية، وهذا سيخفف من المخاوف بشأن الاحتياجات المصرية العسكرية، بالإضافة إلى حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي ودعم مصر فيما يخص سد النهضة.

أما فيما يخص فترة ترامب الثانية تجاه مصر، ستكون بناءً على عدة عوامل أهمها القضية الفلسطينية وتصريحاته بشأنها، موقف ترامب الايجابي تجاه السيسي وهويته كرجل أعمال يعرف كيف يبرم الصفقات.

هذه العوامل ستكون مصحوبة بمخاوف من أن يحافظ ترامب على نهج مشابه لفترة ولايته السابقة وإن كان هنالك بعض التحسينات مقارنة مع إدارة بايدن.

2. الأردن: هل تتراجع القيمة الاستراتيجية للأردن بالنسبة للولايات المتحدة؟

لطالما حافظ الأردن على تحالف استراتيجي مع الولايات المتحدة، مدعومًا بتوافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن على أهمية المملكة كحليف رئيسي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن المواقف الأردنية تجاه عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تعكس قلقاً عميقاً بشأن مستقبل العلاقات الثنائية والسياسات الأمريكية في المنطقة.

خلال الحملة الانتخابية الأمريكية، التزم الأردن الحياد، وعند إعلان فوز ترامب، قام الملك عبد الله الثاني بتهنئته رسميًا، معرباً عن أمله في العمل مع الإدارة الجديدة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. غير أن الخطاب الدبلوماسي لا يعكس تماماً القلق الذي يسود بين الدوائر القريبة من القصر الملكي. يرى المحللون في الأردن أن إدارة ترامب ستكون أقل تفضيلًا للمملكة مقارنة بالإدارات السابقة، خاصة من ناحية المساعدات والعلاقات الثنائية. ويتوقع أن تتبنى إدارة ترامب سياسات منحازة لإسرائيل، ما قد يهدد استقرار الأردن ويعزز المخاوف من سيناريوهات تضر بالمصالح الوطنية للمملكة.

على صعيد المساعدات الأمريكية للأردن:

  • خلال إدارة بايدن، تحسنت العلاقات بين الأردن والولايات المتحدة، ووقعت واشنطن مع عمّان مذكرة تفاهم استراتيجية لمدة سبع سنوات (2023-2029)، تضمن تقديم 1.45 مليار دولار سنويًا كمساعدات اقتصادية وعسكرية، بزيادة 13.7% عن الاتفاق السابق.
  • في عام 2025، من المتوقع أن تصل المساعدات إلى 2.1 مليار دولار، ولكن فور عودة ترامب إلى الحكم، وضع مساعدات الأردن قيد المراجعة لمدة 90 يومًا، بينما استثنى مصر وإسرائيل من هذه المراجعة، ما أثار قلقًا كبيرًا في الأردن.

فيما يتعلق بسياسة ترامب تجاه الأردن مقارنة بإدارتي أوباما وبايدن:

  • في ولايته الأولى، لم يُظهر ترامب اهتمامًا كبيرًا بالأردن، حيث تم تجاهل الدور الإقليمي الذي تلعبه المملكة.
  • على النقيض، شهدت إدارة بايدن تحسنًا في العلاقات، وتم التأكيد على أهمية الأردن كحليف استراتيجي في المنطقة.
  • ينظر ترامب إلى الأردن كدولة ذات أهمية ثانوية مقارنة بدول الخليج الغنية مثل السعودية والإمارات، اللتين تُعتَبران شريكين اقتصاديين مهمين لواشنطن.

بخصوص القضية الفلسطينية وخطر “الوطن البديل”:

  • تشكل القضية الفلسطينية الهاجس الأكبر للأردن، حيث يخشى أن يعيد ترامب إحياء خطته لـ “صفقة القرن”، التي يراها الأردنيون تهديدًا وجوديًا لاستقرار المملكة.
  • السيناريو الأسوأ يتمثل في دعم ترامب لمشاريع إسرائيلية تهدف إلى:

 1) ضم أجزاء من الضفة الغربية، مما قد يؤدي إلى موجات لجوء فلسطيني نحو الأردن.

 2) أو تشجيع هجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة إلى الأردن، وهو ما يعني تصفية القضية الفلسطينية على حساب المملكة.

 3) أو تقويض الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، مما قد يهدد الدور التاريخي للأردن في المسجد الأقصى.

  • خلال حملته الانتخابية، صرّح ترامب أن “إسرائيل صغيرة ويجب أن تتوسع”، مما أثار مخاوف جدية في عمان من احتمال فرض حلول سياسية غير مقبولة.

على صعيد العلاقة مع إسرائيل وتأثيرها على الأردن:

  • منذ توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، كان هناك تعاون أمني واستراتيجي، إلا أن سياسات إسرائيل اليمينية المتطرفة، المدعومة من ترامب، قد تدفع بالأردن إلى موقف أكثر حذرًا.
  • تخشى عمان من أن تؤدي سياسات ترامب إلى تزايد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة على حساب المصالح الأردنية، مما قد يشعل توترات داخلية بسبب التوازن الديموغرافي الحساس في المملكة.

التهديدات الأمنية الإقليمية ودور إيران:

  • منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يواجه الأردن تهديدات متزايدة من المليشيات المدعومة من إيران، خاصة عبر:

 1) الهجمات على الأراضي الأردنية والمجال الجوي.

 2) تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج العقبة من قبل الحوثيين، مما يضر بالاقتصاد الأردني.

  • رغم أن سياسة ترامب المتشددة تجاه إيران قد تصب في مصلحة الأردن من ناحية ردع طهران، إلا أنها قد تؤدي أيضًا إلى تصعيد إقليمي قد يضر بأمن المملكة.

في ظل هذه التحديات، من المتوقع أن يتبع الأردن مسارين أساسيين:

أولاً: تعزيز الدور الاستراتيجي للأردن في واشنطن حيث يسعى الأردن لإبراز أهميته كحليف استراتيجي للولايات المتحدة من خلال:

 1) تقديم نفسه كشريك رئيسي في إعادة إعمار سوريا بعد الأسد.

 2) أو تعزيز دوره في مكافحة الإرهاب، خاصة ضد تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود مع سوريا وإسرائيل.

 3) أو المساهمة في تهدئة الأوضاع في القدس والمقدسات الإسلامية.

 4) أو الدفع نحو مشاريع اقتصادية إقليمية، مثل الربط بين موانئ البحر المتوسط والخليج.

ثانيًا: بناء تحالف عربي لمواجهة خطة “صفقة القرن” الجديدة حيث يسعى الأردن إلى تشكيل جبهة عربية تضم مصر، السعودية، والاتحاد الأوروبي لمنع أي محاولة أمريكية – إسرائيلية لفرض حلول تتجاهل الحقوق الفلسطينية. يعوّل الأردن على السعودية للضغط على واشنطن، خاصة أن الرياض ربطت التطبيع مع تل أبيب بضرورة “التقدم” في حل القضية الفلسطينية.

مستقبل العلاقات الأردنية – الأمريكية: السيناريوهات المحتملة:

  • تحسن العلاقات: إذا أدركت إدارة ترامب أهمية الدور الأردني، فقد نشهد زيادة في الدعم الأمريكي للأردن، خاصة في المجالين الاقتصادي والأمني.
  • الضغط الأمريكي على الأردن: إذا قررت واشنطن السير في خطة “صفقة القرن” الجديدة، فقد تجد عمان نفسها مضطرة لمقاومة الضغوط الأمريكية، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات.
  • تعزيز التحالفات العربية: في حال تدهورت العلاقات مع واشنطن، قد يتجه الأردن نحو بناء تحالفات أقوى مع الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، خاصة السعودية، لحماية مصالحه الإقليمية.

3. دول الخليج: مزايا أكثر من العيوب في العلاقة مع إدارة ترامب

يشير الخبراء الإسرائيليون أنّ دول الخليج ترى بأنّ العلاقة مع إدارة ترامب ستحمل في طياتها المزايا أكثر من العيوب، وكما ذكر سابقًا فإنّ الولايات المتحدة ترى دول الخليج دولًا غنية، وبقيت علاقة ترامب والأمير السعودي، محمد بن سلمان، حتى بعد انتهاء فترة ترامب الأولى، ووصفه ترامب “بالصديق” ولم يمارس أي ضغط يذكر تجاه دول الخليج في فترة ولايته الاولى، وترى دول الخليج كما يُذكر في المقال أنّ ترامب سينتهج نهجًا عدوانيًّا اتجاه إيران.

أما فيما يخص القضية الفلسطينية فترى دول الخليج أن الشرط الأساسي للقيام باتفاقيات التطبيع هو رغبتهم في التقدم بانشاء دولة فلسطينية، أما بالنسبة للإمارات فذكرت أن التسوية السلمية وإقامة دولة فلسطينية هي التي ستحدد مدى انخراطها في إعمار غزة بعد الحرب.

وتعتبر دول الخليج من أكثر الدول تفاؤلًا بفترة ترامب الثانية التي قد تجلب العديد من المزايا في حين وصف المقال أن دول الخليج والولايات المتحدة مقبلان على فترة “شهر العسل” لأهميتها في صفقات السلاح وأمن الطاقة والأمن الإقليمي.

خلاصة واستنتاج

ينظر الخبراء إلى أن هناك إجماعًا واسع النطاق بين الدول العربية على أن القضية الفلسطينية يجب أن تحظى بأهمية أكبر مما أعطيت لها في خطة السلام التي قدمها الرئيس ترامب خلال ولايته السابقة، أو كما اقترحتها بعض هذه الدول قبل “السابع من أكتوبر”. وإذا رفضت إسرائيل هذا المنظور الإقليمي الأوسع وظلت حازمة في معارضتها لدفع التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية، فإنها تخاطر بالعزلة وقد تفوت فرصة تاريخية للسلام مع دول مجاورة إضافية، وأبرزها المملكة العربية السعودية. وعلاوة على ذلك، قد تؤدي إسرائيل أيضًا إلى توتر علاقاتها مع مصر والأردن ودول اتفاقيات إبراهام. علاوة على ذلك، فإن الرفض التام لإظهار المرونة بشأن القضية الإسرائيلية – الفلسطينية قد يخلق توترات بين إسرائيل وإدارة ترامب، والتي قد تتوافق بشكل أوثق مع مواقف الدول العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى