التحدي الأردني في ضوء إدارة ترامب
نُشرت هذه المادة، في العدد الثاني من المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع JPS.
شهد العام الماضي، منذ السابع من أكتوبر 2023، كارثة إنسانية للفلسطينيين، كما فرض تحديات كبيرة على الأردن، فلطالما كان الأردن قلقًا من أن يؤدي غياب حل الدولتين في تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي إلى محاولة إسرائيل حل القضية على حسابه، إما من خلال تهجير جماعي للفلسطينيين إلى الأردن أو عبر إجبار الأردن على إدارة الفلسطينيين في المناطق من الضفة الغربية التي لا ترغب إسرائيل في الاحتفاظ بها. واليوم، وبعد مرور ثلاثين عامًا على توقيع معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية، والتي كان هدفها الأساسي التصدي لما يسمى بـ “الخيار الأردني”، يبدو أن المعاهدة لم تحقق هذا الغرض. فالحرب الإسرائيلية على غزة، والتي جعلت القطاع غير قابل للحياة وأسفرت عن 45,000 ضحية من الفلسطينيين، إلى جانب تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن حل الدولتين بمثابة “مكافأة للإرهاب”، وإعلان وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن عام 2025 سيشهد ضم الضفة الغربية بالكامل؛ كل ذلك عزز مخاوف الأردن الرسمية من أن معاهدة السلام لم تعد توفر الحماية له من المخططات الإسرائيلية.
يزداد القلق الأردني مع احتمال عودة الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، حيث أعلن عن تعيينات في إدارته تتعلق بالشرق الأوسط، تشمل شخصيات تحمل مواقف أيديولوجية متشددة وجميعها مؤيدة لإسرائيل. فمثلاً، سفيره الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، صرّح سابقًا بأن “صك ملكية أرض فلسطين منحه الله لإبراهيم وذريته”، وأنه “لا وجود لشعب فلسطيني”، وأن “الأرض من النهر إلى البحر ملك لإسرائيل”. ومع تماهي هذه المواقف الأمريكية والإسرائيلية، أصبح خيار الضم احتمالًا واقعيًا، مما يشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط للفلسطينيين، بل للأردن أيضًا.
كيف ينبغي للأردن أن يتصرف؟ بالرغم من أن الأردن يعتبر دولة صغيرة ولا يستطيع ولا يحتاج حتى، إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لا يعني القبول بهذه التطورات السلبية كأمر واقع. ففي المرحلة المقبلة، ينبغي على الأردن تبني عدد من السياسات والاستراتيجيات لمواجهة التحديات الجديدة، ومنها:
أولًا: يجب أن تنحي جميع القوى في الأردن خلافاتها جانبًا، وأن تُركز على هذا التحدي المصيري الذي يمس جميع الأردنيين، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية. فلطالما لجأ النظام السياسي في الماضي إلى الحوار الوطني في أوقات الأزمات بشكل خاص، مما أدى إلى التوصل إلى توافق وطني حول المسار المستقبلي. كما في عام 1989، وبعد أزمة اقتصادية حادة وأخرى سياسية ناجمة عن موقف الأردن من حرب الخليج الأولى، تم انتخاب برلمان ضم معارضة قوية تمثل أكثر من 40% من أعضائه. حينها، طلب الملك الراحل الحسين بن طلال تشكيل لجنة وطنية أصدرت “الميثاق الوطني”، الذي حظي بإجماع واسع على أسس الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بناءً على ما سبق، فالأزمة الحالية لا تقل خطورة عن أزمة 1989، مما يستوجب بذل جهد مماثل لعبور المرحلة.
ثانيًا: يتمتع الأردن بعلاقات قوية في واشنطن عبر مختلف الإدارات الأمريكية، سواء الديمقراطية أو الجمهورية. يجب استثمار هذه العلاقات وتعزيزها، من خلال حملة دبلوماسية نشطة ويومية تستهدف إيصال تصور جاد حول خطورة ضم الضفة الغربية على الأردن، وليس فقط للفلسطينيين. ففي عام 2004، عبّر الأردن عن قلقه البالغ إزاء رسالة وجهها الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش، إلى إسرائيل، والتي أشار فيها إلى أن أي حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي لا يمكن أن يستند إلى حدود عام 1967، بل يجب أن يأخذ في الاعتبار “الواقع الاستيطاني” في الضفة الغربية، وهو ما أثار خشية الأردن من أن تُفسر إسرائيل هذه الرسالة على أنها ضوء أخضر لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، مما سيعرقل أي حل جاد للدولتين. في سبيل ذلك، قام الأردن بإبلاغ واشنطن بمخاوفه بأقوى الوسائل الدبلوماسية الممكنة، مما أسفر عن رسالة من الرئيس بوش إلى الملك عبد الله الثاني في 6 مايو/أيار 2004، والتي أكد فيها أن “الولايات المتحدة تعتبر أمن الأردن وازدهاره وسلامة أراضيه مسألة حيوية، وستعارض أي تطورات في المنطقة قد تهدد مصالحه”.
اليوم، ينبغي تذكير واشنطن بهذه الالتزامات، والتأكيد على أن دعم الأردن يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي. كما ينبغي تعزيز دور السفارة الأردنية في واشنطن، من خلال دعمها بكوادر دبلوماسية ذات خبرة في السياسة الأمريكية، لمساندة جهود الملك عبد الله الثاني في التواصل مع مختلف الأوساط في واشنطن. السفيرة الأردنية في واشنطن دينا قعوار، عملت مع إدارة ترامب الأولى ومع إدارة بايدن، وهي تمتلك علاقات واسعة وخبرة كبيرة، مما يستدعي دعمها في هذه المرحلة الدقيقة.
ثالثًا: يحتاج الأردن إلى بناء محور عربي داعم لجهوده في منع ضم الضفة الغربية، فبالرغم من التوترات التي شابت علاقات الأردن مع السعودية خلال العقد الماضي، إلا أن الهدف يجب أن يكون تشكيل موقف عربي موحد يضم مصر والسعودية والإمارات وقطر ودولًا أخرى، يمكن من خلال هذا المحور ممارسة ضغط جماعي على واشنطن. هذه المهمة ليست سهلة، لكنها يجب أن تكون أولوية قصوى.
في المحصلة، إن عودة ترامب إلى السلطة ستشكل تحديات كبرى للأردن، لكنها لا تعني أن الأردن عاجز أو مضطر للقبول بالأمر الواقع، بل إن هذه اللحظة تتطلب دبلوماسية أردنية نشطة ومكثفة، يقودها الملك عبدالله الثاني، من خلال فريق يعمل وفق خطة واضحة تستثمر جميع القدرات الدبلوماسية الأردنية وعلاقاتها الواسعة دوليًا.