الإسلاميون وسؤال الطائفية والهوية
كان دور العامل الخارجي مؤثّراً بدرجة كبيرة في الحالتين السورية (تناول عبد الرحمن الحاج تطور المشهد الإسلامي هناك خلال العقد الأخير) واللبنانية (وقد تناولته ورقة شفيق شقير)، فقد تحوّلت سورية إلى “ساحة” للقوى الإقليمية والدولية، وانجرفت الحركات الإسلامية في هذا المسار، وأصبحت انعكاساً واضحاً لموازين القوى الخارجية والداخلية. وألقت “المسألة السورية” بظلالٍ ثقيلةٍ على التيار الإسلامي السنّي في لبنان، بصورة خاصة الجماعة الإسلامية.
في الأثناء، لم تكن وطأة “الطائفية” أقلّ على كاهل المجتمعين وحالة التيار الإسلامي فيهما، وتلبست الفكرة الهويّاتية الإحيائية (تأسّست عليها أيديولوجيا الإسلاميين) بالبعد الطائفي في كلتا الحالتين، وكان السؤال المطروح، هنا، عما إذا كانت الطائفية مأزقاً إجبارياً للإسلاميين لا يمكن الفكاك عنه، في ظلّ أنظمة سلطوية ومجتمعات مرتبطة بالحسابات الطائفية وقوى إقليمية فاعلة على هذا الأساس؟ بصيغة أخرى: هل كان بإمكان التيار الإسلامي، بصيغته السُّنيّة، أن يخرج من الإطار الطائفي، ويدفع باتجاه الهوية الوطنية الجامعة؟ أم كان ذلك سيسجّل بوصفه “سباحة في الفضاء” بعيداً عن الواقع المجتمع والسياسي؟
لعلّنا نذكر، هنا، تجربة شيخ الحركة الإسلامية في لبنان، فتحي يكن، الذي انشقّ عن الجماعة الأمّ، وهو منظّر عالمي إخواني معروف، وتقارب مع حزب الله. أو حتى تجربة “المشايخ” (وبعض الجماعات والطرق الصوفية) في سورية الذين هادنوا الأوضاع السياسية، كيف انتهى بهم الأمر في مشهد الحرب الداخلية هناك.
بالانتقال إلى الحالة الأردنية، التي تبتعد عن التداعيات الطائفية، فإنّ المفارقة (كما ظهرت في ورقة إبراهيم غرايبة) أنّ مسألة الهوية لا تغيب بالكلية، وتتوارى خلف الخلافات والنقاشات في أوساط الحركة الإسلامية، والخلافات التي عصفت بها من الداخل، ودفعت الحركة إلى عدم القدرة على الفصل بصورة واضحة بين مفاهيم الجماعة والعمل الدعوي والخيري والخطاب الوعظي من جهة والعمل السياسي البرامجي من جهةٍ أخرى، ما دفع غرايبة إلى إعادة طرح سؤال قديم جديد، عمّا إذا كان الإسلام السياسي يعاين حالة التراجع والانحسار. يستدرك غرايبة على ذلك بأنّ الانتصار في الانتخابات النيابية لا يعني، بالضرورة، عدم الإقرار بالتراجع، فهنالك مفاهيم وقضايا أيديولوجية لم تعد قادرةً على التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية. لذلك، يدعو إلى عقلنة الخطاب الإسلامي في المجال العام، بما يسمح بحوار مفتوح تعدّدي ديمقراطي من دون ادّعاء الإسلاميين احتكار الحقيقة. وقد دفعت مثل هذه الدعوة حسن أبو هنية إلى إثارة تساؤلات مهمة؛ في تعريف معيار التقدّم والتراجع، وفي ترسيم المطلوب من الإسلاميين كي يوصفوا بالعقلانية والواقعية، في ما إذا كان هو القبول بالاستبداد والتسلطية؟ وفي تعريف حركات ما بعد الإسلام السياسي، في ما إذا كانت تطوّراً مهماً في خطاب الإسلاميين، كما يدافع آصف بيات، أم انهياراً في المد الإسلامي كما تنبأ أوليفه روا قبل عقود؟
قادت تلك النقاشات إلى “محاولات” النخب المثقفة المسيسة للإسلاميين في الأردن (مثل حزب زمزم) للخروج من رحم جماعة الإخوان، وتأسيس أحزاب برامجية جديدة (وصفت بأنّها خارج إطار الإحيائية الإسلامية، وتمثل امتداداً لمفهوم الإسلام السياسي). لماذا لم تأخذ الزخم الشعبي ذاته، وبقيت القواعد الشعبية بيد الإسلام السياسي بصيغته الإخوانية؟!
من الواضح أنّ العوامل السياسية والتاريخية، الخارجية والداخلية، في هذه الحالات مغايرة عن التي تحكم الإسلاميين في المغرب العربي، ما قاد هشام جعفر وخليل العناني وهبة رؤوف عزت إلى طرح ضرورة إعادة النظر بصورة جوهرية في مناهج دراسة الحركات الإسلامية في ضوء هذه التجارب والنماذج.