من النفخ بالبوق إلى إدخال القربان: قراءة في رمزية الحدث ومسار التهويد
في سابقة تعتبر الأولى من نوعها، نجح المستوطنون الأسبوع الماضي في إدخال قربان حيواني إلى المسجد الأقصى، عبر باب الغوانمة لمحاولة ذبحه في باحات المسجد، والجدير بالذكر أن هنالك العديد من محاولات ادخال القربان إلا انها لم تنجح وكانت لا تتعدى حدود أبواب المسجد الأقصى، لذا تعتبر هذه المحاولة الاولى التي تدخل الى باحات المسجد.
تداول تلك الحادثة منصات إعلامية مقدسية والتي تذكر بدورها أن محاولة إدخال القربان جاءت على وقع تلاوتهم لصلاة اسمع يا إسرائيل “شماع إسرائيل” والتي ترمز للتأكيد المركزي لليهودية.[1]
تزامن ذلك مع عيد الفصح اليهودي الصغير (بيسح) وهو مناسبة دينية تتبع لعيد الفصح الرئيسي ويُعبر عن ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر، وفي الوقت ذاته يعبر عيد الفصح اليهودي الصغير عن فرصة أخرى لتقديم قرابين لمن فاتتهم في العيد الأول بسبب البعد عن الهيكل.
نقاط مفتاحية
- تعتقد جماعات الهيكل أن إدخال قربان إلى المسجد الأقصى وذبحه يعكس ويعجل من قدوم المخلص الإلهي ويمهد للسيطرة على المسجد.
- قام المستوطن بإدخال القربان الحيواني من باب الغوانمة؛ لأنه يعتبر من الأبواب البعيدة وقليلة الارتياد من قبل المصلين.
- رغم ما قام به المستوطنون من تجاوزات وإدخال للقربان إلى المسجد ومقاومة عناصر الشرطة إلا أنه تم العمل على تحويل مسار القضية إلى مسار مختلف تحت عنوان “إساءة معاملة الحيوان”.
- يعبر هذا المسار من الانتهاكات عن محاولة مستمرة لتغيير الطابع الزماني والمكاني للمسجد الاقصى حيث زاد عدد الساعات للاقتحامات، والقيام بجولات استفزازية، بالإضافة إلى قراءة الترانيم الدينية والسجود الملحمي، وصولًا إلى النفخ بالبوق وإدخال القربان.
- تواطأ عناصر الشرطة الإسرائيلية مع الحادثة من خلال العمل على تسهيل عمليات الاقتحام إلى جانب العمل على منع موظفيّ الأوقاف من القيام بعملهم وإغلاق أبواب المسجد الأقصى بالقوة.
رمزية ذبح القربان في عيد الفصح
التضحية بالماعز أو الخاروف يعد رمزًا للخلاص في العقيدة اليهودية، ويرتبط بشكل وثيق بقصة خروج بني إسرائيل من مصر.[2] وفقًا للرواية التوراتية، كان بنو إسرائيل في مصر يعانون من الإستعباد، ولكي يطلق فرعون سراحهم، أنزل الله سلسلة من العقوبات على المصريين وكان آخرها قتل البكر من كل عائلة مصرية.
ولحماية بني إسرائيل من هذه العقوبة، أمرهم الله بذبح ماعز أو خروف ورش دمائه على عتبات وأبواب بيوتهم، وكان الدم بمثابة علامة يَمر بها الموت أو “الملاك المُهلك” ويتجاوزهم، أي أنه يعبر من بيوتهم، ومن هُنا جاءت تسمية عيد الفصح أو “البيسح” باللغة العبرية، والتي تعني العبور في إشارة الى عبور ملك الموت عن منازلهم وخلاصهم.
وتعتقد جماعات الهيكل المتطرفة أن إدخال قربان وذبحه داخل باحات المسجد الأقصى، سيُعجل من قدوم “المخلص الإلهي” ويحقق الخلاص الكامل لهم، ويمهد للسيطرة على المسجد.[3]
لماذا باب الغوانمة؟
يُعتبر باب الغوانمة من الأبواب البعيدة نسبيًا، وقليلة الارتياد من قبل المصلين، ويقع بعيدًا عن الأسواق بين الأحياء السكنية. هذا الموقع المنعزل جعله، نقطة ضعف استغلت لتنفيذ عدة انتهاكات ضد المسجد الأقصى.
ففي أغسطس/آب 1969 اقتحم السائح الأسترالي الصهيوني دينيس مايكل روهان المسجد الأقصى من خلال باب الغوانمة وحينها أحرق المصلى القبلي[4]، وفي حادثة أخرى عام 1982، اقتحم آلآن جودمان وهو جندي إسرائيلي المسجد الاقصى من الباب نفسه، حيث أطلق النار قرب قبة الصخرة وأصاب حارس المسجد الأقصى “صالح اليماني”، وفي مايو/أيار عام 1998 قام مستوطنون بإضرام النار في باب الغوانمة مما أدى إلى احتراق قسم كبير منه، والآن نشهد إدخال قربان حيواني من الباب نفسه في محاولة لذبحه في باحات المسجد الأقصى.[5]
لاحقًا لذلك، أفادت مصادر إعلامية بأن الاحتلال حول مسار قضية “إدخال القربان” إلى اتجاه مختلف وصنّفتها تحت عنوان “إساءة معاملة الحيوانات”، رغم أن ما أوضحته مقاطع الفيديو التي نُشرت على منصات التواصل والصفحات الاخبارية بالاشتباك بالأيدي بين المستوطنين وعناصر الشرطة ومقاومتهم، إلا أن تباطؤ عناصر الشرطة في التعامل مع الأمر كان واضحًا وتم إحباط المحاولة من قبل حراس المسجد[6]، إلى جانب إصدار شرطة الإحتلال بيانًا لم تذكر فيه إدخال قربان إلى المسجد الاقصى بل اكتفت بالحديث عن “اعتقال 9 مستوطنين بعد قيامهم بالاعتداء على أفراد الشرطة والنية بالإخلال بالنظام في البلدة القديمة”[7]
ماذا بعد؟
لا تنفك هذه الحادثة عن المحاولات المستمرة لتغيير الطابع الديني للمسجد الاقصى أو حتى محاولات فرض الرموز الدينية اليهودية داخله، وما حدث يأتي في إطار التصعيد المتزايد لتغيير الواقع التاريخي والديني في القدس. ويعكس إصرار السياسات الاسرائيلية على تحويل تلك التجاوزات المتكررة إلى واقع في التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى ومحاولة تغيير الوضع القائم عبر تقسيم المسجد إلى مناطق يُسمح لليهود بدخولها بشكل حصري، حيث عملت الشرطة على زيادة عدد ساعات الإقتحامات مما يسمح للمستوطنين بزيادة عدد ساعات وجودهم داخل المسجد، والقيام بجولات استفزازية “اقتحامات” داخله، إضافةً إلى ذلك يقوم المستوطنون بممارسة طقوسهم كاملة منها الترانيم الدينية، والانبطاح أو ما يسمى “السجود الملحمي”، وصولًا إلى النفخ بالبوق وإدخال القربان وهو الأمر الذي سعت له ما يسمى بجماعات الهيكل وعملت على تقديم مكافآت مالية لكل من يحاول إدخاله.[9]
إن النفخ بالبوق في المسجد الأقصى لا يتوقف لكونه طقسًا يهوديًّا، بل يتعدى ذلك ليعبر عن دلالات رمزية خطيرة، إذ يُعبر في الديانة اليهودية على البدء بمرحلة جديدة من الزمان الإنساني، فهو يعمل على الفصل بين السنوات العبرية، ويُعبر عن بداية يوم القيامة، وبهذا المعنى يُنظر إلى النفخ بالبوق في المسجد الأقصى على أنه فاصل رمزي وزمني بين عهدين، عهد الهوية الاسلامية للمسجد والذي انتهى “بنظرهم”، وعهد تهويده الذي يعتقدون أنه بدأ.[10]
هذا إلى جانب قيام عناصر الشرطة بالعديد من التجاوزات والممارسات التعسفية مثل العمل على إغلاق أبواب المسجد الأقصى بالقوة وتحت التهديد بالاعتقال، بالإضافة إلى القمع الممنهج لحراس المسجد والمسؤولين عنه والعمل على منعهم على القيام بدورهم، إلى جانب حماية الشرطة للمستوطنين خلال فترات الاقتحام وفي الوقت ذاته العمل على إبعاد موظفي الأوقاف عن المسجد والوصول إلى قطع أسلاك سماعات المسجد لمنع بث الأذان.[11]
هذا ينعكس بطبيعة الحال على الجو العام هناك ويؤدي إلى المزيد من التوترات مع المقدسيين، بالإضافة إلى ما تشهده المدينة والمسجد من محاولات مستمرة للتغيير التدريجي للوضع القائم، والتوسع في نطاق الاستيطان والسيطرة.
خاتمة
تُظهر هذه التطورات المتسارعة أن المسجد الأقصى يواجه مرحلة غير مسبوقة من محاولة التهويد، تتجاوز فكرة أنها مجرد اقتحامات فردية لتصل إلى محاولات في تغيير الطابع الديني وفرض رموز يهودية داخله، من إدخال القربان والنفخ بالبوق وممارسة الطقوس التوراتية فيه، وهذه جميعها مؤشرات على محاولات فرض واقع جديد يخدم مشروع التهويد والتقسيم الزماني والمكاني.
إن استمرار هذه الانتهاكات في ظل تواطؤ الشرطة بكل رسمي، عبر تحول القضايا إلى مسارات جانبية، يعكس الرغبة في طمس الحقيقة، وهو ما يُشير إلى احتمال بتصعيد أكبر بما يحمله من تداعيات خطيرة على الاستقرار الديني والسياسي في المكان.
[1] القدس البوصلة، “لأول مرة.. إدخال قربان حيواني لمحاولة ذبحه بالأقصى!”، 12 مايو 2025، https://alqudsalbawsala.com/ar/post/2121
[2] BBC News عربي، “عيد الفصح اليهودي: ماذا نعرف عن طقوسه؟”، 11 أبريل 2025، https://www.bbc.com/arabic/articles/c934l92np15o.
[3] Wadi Hilweh Information Center – Silwanic, “For the First Time, a Settler Succeeded in Bringing a Goat into Al-Aqsa and Praying There,” May 12, 2025, https://www.silwanic.net/article/news/79707/for-the-first-time-a-settler-succeeded-in-bringing-a-goat-into-al-aqsa-and-praying-there.
[4] الجزيرة نت. “دينيس مايكل روهان.. الأسترالي الذي أحرق المسجد الأقصى.” آخر تحديث: 21 أغسطس 2024. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2017/8/20/من–هو–روهان–منفذ–جريمة–إحراق–المسجد.
[5] شبكة القدس البوصلة، “باب الغوانمة؛ خاصرة الأقصى الرخوة! شبكة ‘القدس البوصلة’ تُعرفكم على الباب الذي أُدخل القربان الحيواني عبره اليوم إلى المسجد الأقصى، ولماذا…”، فيسبوك، 12 مايو 2025، https://www.facebook.com/AlqudsAlbawsala/posts/718211644060752/.
[6] “حراس ‘الأقصى’ يحبطون محاولة إدخال مستوطنين ‘قربان’ إلى الحرم القدسي”، وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، 12 أيار 2025، https://www.petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=313293&lang=ar&name=news.
[7] נתי קאליש, “מקריבים קרבן פסח: פעילי ימין פרצו להר הבית עם גדי חי,” אמס, 12 مايو 2025, https://www.emess.co.il/radio/1709528. بالإضافة إلى ذلك تم الذكر في مصادر عربية……… أنظر https://alqudsalbawsala.com/ar/post/2123.
[8] Israeli Ministry of Foreign Affairs (@ForeignMinistry), “The Jewish people have celebrated the festival of Passover for thousands of years…,” X (formerly Twitter), May 14, 2025, https://x.com/ForeignMinistry/status/1921978258452541594.
[9] مصدر خاص
[10] أسيل الجندي، “في أعياد اليهود.. ما دلالة النفخ بالبوق في الأقصى؟”، الجزيرة نت، 18 سبتمبر 2023، https://www.aljazeera.net/politics/2023/9/18/مع–اقتراب–موسم–الأعياد–اليهودية–ماذا.
[11] مصدر خاص