مشروع نسيج الحياة: في تفتيت المشهد الجغرافي للقدس وشرذمة الوجود الفلسطيني

ما تزال إسرائيل مستمرة في مشروع التوسع الاستيطاني كجزء من مشروع استعماري طويل الأمد يهدف إلى إعادة هندسة المكان جغرافيًا وديمغرافيًا، وبطريقة تخدم مصالحها ورؤيتها لضمّ الضفة الغربية، وتتزايد هذه السياسات بشكل متسارع بالتزامن مع الحرب المستمرة على قطاع غزة وتعمل على توسيع نطاق التدخل. وليس سرًّا القول إن مدينة القدس تعد أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ تتقاطع فيها الأبعاد الدينية والتاريخية والهوياتية.
في هذا السياق، وضمن هذه الطموحات، وافق مؤخرًا المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) بالبدء في أعمال مشروع “نسيج الحياة” الذي يعد من أخطر المشاريع الإستيطانية.
بدأت الشرارة الأولى لمشروع نسيج الحياة الإستيطاني في عام 2020 بعد الضغط من قبل رئيس بلدية مستوطنة معاليه أدوميم السابق “بيني كشريئيل” حيث تمت الموافقة عليه في حكومة نتنياهو الائتلافية آنذاك ولكن توقف تنفيذه بسبب سقوط الحكومة بعد شهرين، هذا المشروع الذي وصفه نفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق بأنه “وسيلة لتطبيق السيادة على المنطقة بالأفعال وليس بالأقوال”. لكن الآن وبعد 5 سنوات وافق الكابينيت على البدء بالعمل في هذا المشروع وتم تخصيص حوالي 335 مليون شيكل أي ما يعادل قرابة 91 مليون دولار للمشروع.
والجدير بالذكر أن هذا المشروع سيتم تمويله من أموال المقاصة المصادرة من السلطة الفلسطينية، من منطلق أن الهدف الأسمى من هذا المشروع هو خدمة الفلسطينيين ومن هذا المنطلق سُمي المشروع باسم “نسيج الحياة” في محاولة من الإحتلال لتسويقه كوسيلة لتحسين نمط حياة الفلسطينيين، بحيث يُظهر وكأنه يربط شمال الضفة الغربية بجنوبها ويُسهم في خلق “نسيج حياة” متواصل بينهم.
يُعد مشروع نسيج الحياة المعروف أيضًا باسم “طريق السيادة” جزءًا من المخططات الاستيطانية الإسرائيلية التي تهدف إلى توسيع حدود بلدية القدس على حساب أراضي الضفة الغربية، وذلك عبر حفر نفق يمتد من منطقة الزعيّم شمالًا حتى العيزرية جنوبًا شرقي القدس، وتحويله إلى نفق وطريق خاص بالفلسطينيين، بحيث يمر فيه الفلسطينيون بدون المرور بحواجز ونقاط تفتيش إسرائيلية، وذلك تحت ذريعة تسهيل حركتهم، ولكن الواقع أن هذا المشروع يؤدي بشكل واضح إلى تمكين السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وتسهيل التحكم في خط سير الفلسطينيين بحيث في أي لحظة يتم وضع حاجز واحد على النفق ويقطع التواصل بين شمال الضفة وجنوبها وإحكام السيطرة على كلتيهما، بالإضافة إلى تسهيل ضم معاليه أدوميم إلى القدس.
وفي مقابل ذلك سيُمنع بذلك الفلسطينيون من استعمال الطريق الآخر الذي يمتد من وسط مدينة القدس ويمر بأحياء عربية فيها ومن أمام مستوطنة معاليه أدوميم وصولًا إلى اريحا.
يعتبر هذا المشروع بدايةً وتمهيدًا لمشروع أكبر وهو مشروع “القدس الكبرى”، والذي سيؤدي في قطع الضفة الغربية إلى قسمين: شمالي وجنوبي، وضم مستوطنات إلى بلدية القدس منها معاليه أدوميم، وبالتالي ستؤدي الى مزيد من تقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا.
حظي مشروع نسيج الحياة بإشادة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اعتبر أن المشروع “سيقلل من الإزدحام بين العاصمة ومعاليه أدوميم وتعزز البناء الإسرائيلي في منطقة E1 الواقعة بين المدينتين“.

توضح الصورة التالية النفق المسمى ب “نسيج الحياة”، أُعدت الخريطة من قبل الباحثة بالاستعانة بموقع geojson.io
ليس خفيًا أن إسرائيل قد تجاوزت اتفاقية اوسلو، غير أن تنفيذ مشروع “نسيج الحياة” يعد خرقًا واضحًا لهذه الاتفاقية من الناحية القانونية. إذ تكمن خطورة تنفيذ المشروع في هدم منشآت قائمة في بلدة العيزرية، وهي بلدة فلسطينية تقع ضمن المناطق المصنفة “ب” بحسب اتفاقية اوسلو والتي تخضع إداريًا للسلطة الفلسطينية بينما تكون السيطرة الأمنية فيها مشتركة بين الجانبين، وتشمل غالبًا التجمعات السكانية الصغيرة مثل العيزرية.
وفقًا للإتفاقية، فإن تنظيم البناء والتخطيط العمراني في هذه المنطقة يُعد من صلاحيات السلطة الفلسطينية حصريًا، وبالتالي فإن قيام إسرائيل بتنفيذ مشاريع إنشائية كبرى في هذه المناطق يمثل انتهاكًا آخر مباشرًا، ضمن سلسلة الانتهاكات، لنص الاتفاق وتعدٍ على الصلاحيات المدنية للسلطة.
يمتد تاثير المشروع إلى عشرات التجمعات البدوية التي ستعزل بمجرد قيامه مثل قرية خان الأحمر وهي إحدى القرى الفلسطينية في محافظة القدس تقع على الطريق السريع 1 وهو الطريق الوحيد الذي يربط القدس بمستوطنة معاليه أدوميم، وهي تقع شرق المدينة وبالقرب من مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم ويعتبرها الفلسطينيون منطقة إستراتيجية وحلقة الوصل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها وهي منطقة مستهدفة سابقًا من الإحتلال الإسرائيلي ويسعى إلى تفريغها من السكان الفلسطينيين لأنها من المناطق الفلسطينية الوحيدة والمتبقية من منطقة E1، يُذكر أن محكمة العدل العليا للاحتلال كانت قد أصدرت قرارًا بإخلاء المنطقة وطرد سكانها.
بالتالي، زوال هذه المنطقة التي تعتبر بوابة القدس الشرقية ونقطة ربط بين شمال الضفة وجنوبها يقطع الاتصال ويسهل من تنفيذ مشروع E1 الإستيطاني الذي يسعى إلي تفريغها من الفلسطينيين والسيطرة على 12 ألف دونم من شرق القدس حتى البحر الميت.
يعزز مشروع نسيج الحياة من تمكين السيطرة على هذه المنطقة وبمجرد اكتمال المشروع لن يتمكن الفلسطينيون من الوصول إلى الخان الأحمر إلا سيرًا على الأقدام وستعزل المنطقة المهددة بالهدم وبترحيل سكانها بشكل كامل.
في الحديث عن التداعيات يمكن القول، إن النتائج المتوقعة المترتبة على مشروع نسيج الحياة تكمن في:
- تعديل حدود بلدية القدس عبر إضافة 3% من أراضي الضفة الغربية.
- التمهيد لمشروع أكبر وأخطر وهو مشروع القدس الكبرى والذي يهدف إلى الفصل الكامل بين شمال الضفة الغربية وجنوبها.
- ربط القدس بمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
- سهولة قطع التواصل بين شمال الضفة وجنوبها بحيث أن النفق يترك بينهم خيط رفيع يسّهل من أي عملية فصل.
- يتطلب تنفيذ النشروع هدم منشآت في بلدات العيزرية المصنفة مناطق “ب” وفق إتفاقية اوسلو.
- سيحقق المشروع الفصل العنصري بين الفلسطينيين والمستوطنين.
- سيعزل الخان الأحمر المهدد مسبقًا بترحيل سكانه.
- تحقيق وفرض السيادة الكاملة على معاليه أدوميم.
لا ينفك هدف المشروع عن الهدف الأكبر لإسرائيل وهو تسهيل العمل للمضي نحو مشروع القدس الكبرى، والذي يعمل على ضم مستوطنات إسرائيلية إلى بلدية القدس، وقطع شمال الضفة الغربية عن جنوبها بشكل نهائي لا تستطيع فيه التواصل ابدًا، وذلك لقطع وإنهاء أي حلم بإقامة دولة فلسطينية.
وهذا المشروع لن يعتبر نقطة النهاية بل هو نقطة من نقاط انطلاق لمشروع أكبر وأخطر ترغب إسرائيل في تنفيذه وتوسع من خلاله حدودها على حساب القدس والضفة الغربية وعلى حساب المشروع الفلسطيني الذي يهدف إلى بناء دولته المستقلة كاملة السيادة.