سوريا الجديدة: تحولات الهوية والسلطة والنفوذ
عقد معهد السياسة والمجتمع بالشراكة مع مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، جلسة حوارية في 17 مايو/أيار 2015، استضافت، المفكر السوري الدكتور رضوان زيادة، بمشاركة نخب سياسية وبحثية أردنية وسورية، لنقاش مستقبل سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وما يترتب عليه من تحولات سياسية واجتماعية وأمنية، ويعد هذا التقرير ملخصًا لأبرز الطروحات والآراء التي برز خلال حديث الضيف والمناقشات التي لحقتها.
نقاط مفتاحية
- برزت حكومة أحمد الشرع كقيادة انتقالية تسعى لتوحيد الفصائل ضمن مؤسسة الدفاع، وبناء حكومة تكنوقراط، والإعداد لإعادة الإعمار، ومع ذلك، يواجه المشروع صعوبات كبيرة أبرزها مسألة العقوبات الدولية، استمرار التهديد الإسرائيلي، وضعف الموارد المالية، واستمرار تحدي بناء المؤسسات في سوريا، ما يجعل نجاح هذه الإدارة مرهونًا بدعم خارجي واسع وإصلاح مؤسسي سريع.
- يبرز عمق التحدي في إعادة صياغة الهوية الوطنية بعد سنوات من الحرب، التهجير والانقسام، مع التأكيد على ضرورة الانتقال من هويات طائفية أو مناطقية إلى صيغة سياسية مدنية جامعة تقوم على المواطنة والعدالة والتعدد، بناءً على هوية التحرير، خاصة لإعادة تعريف “السوري” اليوم الذي يعتبر تحديًا معقدًا، يتطلب جهودًا كبيرة في إطار إعادة بناء الدولة وتعزيز التوافق الاجتماعي والسياسي.
- رغم الآمال المعقودة على الإدارة الجديدة، إلا أن هنالك قلق من سيطرة أحمد الشرع على القرار وتهميش القوى الأخرى، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الشرعية الدستورية، ومستقبل التعددية السياسية.
- تتطلب المرحلة القادمة حماية مكتسبات التحرر وبناء مؤسسات سياسية تخدم المرحلة الانتقالية في سوريا الجديدة.
أولًا: عوامل أدت إلى سقوط نظام الأسد
استعرض والمشاركون أربعة عوامل رئيسية أدت لسقوط النظام:
- الخيار العسكري: رفض الأسد مبادرات الحل السياسي منذ 2011، واعتمد على القصف العشوائي والبراميل المتفجرة، ما رسّخ ارتكابه جرائم حرب. كان العامل الأول مرتبطًا بالنهج الذي اتخذه النظام مع اندلاع الثورة عام 2011؛ فبدلًا من قبول الحلول السياسية والعروض الدولية، مثل اتفاق جنيف، قرر الأسد اعتماد الخيار العسكري بشكل كامل، مما قاد إلى قصف عشوائي بالبراميل المتفجرة، وهو ما يعتبر من جرائم الحرب. وقد استمر هذا النهج حتى التدخل الروسي عام 2015 والذي أعاد توازن القوى لصالح الأسد مؤقتًا.
وبالرغم من التوافقات الدولية على مناطق خفض التصعيد في الغوطة، وريف حلب، وإدلب، وشمال شرق سوريا، إلا أن روسيا لم تحترم هذه الاتفاقيات إلى جانب كل من تركيا وإيران. بحلول عام 2018، استطاع الأسد السيطرة على معظم المناطق السورية باستثناء إدلب وشمال غرب سوريا الخاضعة لتركيا، بالإضافة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
- التدخل الروسي والإيراني: رغم دعم موسكو وطهران، لم يُفضِ التدخل إلى استقرار دائم، بل أنتج مناطق نفوذ متعددة داخل سوريا هذا الواقع أنتج عمليًا أربع أنظمة حكم متوازية داخل البلد الواحد، الأمر الذي خلق تحديًا بالغًا يتمثل في دمج هذه الأنظمة سياسيًا وإداريًا؛ حيث ظهرت مشكلة تسجيل الولادات الجديدة، والاختلاف الكبير بين أنظمة التعليم في مناطق النفوذ الأربعة السابقة، مثل نظام البكالوريا الكردية والسريانية في مناطق قسد، والتي تحتاج إلى وقت طويل للاندماج في نظام موحد. وبهذا، أصبحت سوريا بحلول 2018 مقسمة عمليًا إلى أربع “سوريات” داخل الحدود الواحدة.
- الانهيار الاقتصادي: مع قانون قيصر وقانون عقوبات الكبتاغون الأميركي، تفكّك الاقتصاد السوري، وتراجعت رواتب الموظفين إلى أقل من 11 دولارًا شهريًا، واعتمد النظام على تجارة الكبتاغون كمصدر للعملة الصعبة، حيث أدى انهيار الاقتصاد السوري ابتداءً من عام 2010 وتفاقم الوضع بشكل خطير بسبب قانون قيصر الأمريكي لعام 2019 إلى تعميق الأزمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق. وقد حرم القانون النظام السوري من أي تعاملات اقتصادية خارجية، فانهارت العملة المحلية ودخلت سوريا مرحلة “التضخم الجامح”، وهو ما جعل مناخ الاستثمار مستحيلًا. بلغت الأزمة ذروتها في تدهور قيمة رواتب الموظفين، فبات راتب الأستاذ الجامعي أقل من 11 دولارًا أمريكيًا شهريًا، وهو ما دفع بالعديد من مقاتلي الأسد إلى التخلي عنه في مراحل متأخرة. كما اعتمد النظام بشكل متزايد على تجارة الكبتاغون كمصدر أساسي للعملة الصعبة، بإشراف الفرقة الرابعة وقصر الرئاسة مباشرة.
- فقدان السيطرة الأمنية والعسكرية: تحوّلت الفصائل المعارضة من الهجوم إلى التنظيم، وتمكنت من السيطرة على دمشق، ما كشف عن انهيار البنية الأمنية المركزية، كما يرتبط هذا العامل بالمتغيرات الدولية؛ فقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إعادة انتشار جزء كبير من القوات الروسية التي كانت في سوريا نحو جبهة أوكرانيا، ما أضعف بشكل كبير الدعم العسكري واللوجستي لنظام الأسد. هذا الانسحاب الجزئي منح المعارضة السورية فرصة استراتيجية لإعادة ترتيب صفوفها وشن هجمات فعّالة ضد مواقع النظام.
التحضيرات اللوجستية والعسكرية الكبيرة التي قامت بها فصائل المعارضة السورية، خاصة في مناطق إدلب وحماة ودمشق. أظهرت هيئة تحرير الشام ومعها فصائل أخرى كأحرار الشام ولواء “المكتفي الكامل” قدرة تنظيمية عالية في العمليات العسكرية وفي إدارة المناطق التي استعادتها من النظام. كما أن المعارضة نجحت في التعامل مع السكان بشكل منضبط وحماية المؤسسات المدنية والمصرفية والمرافق العامة، مما وفر ثقة نسبية من السكان، بالرغم من حدوث بعض التجاوزات في دمشق بسبب دخول بعض الفصائل غير المنضبطة قبل هيئة تحرير الشام. ومن الملاحظ أن النظام السوري كان قد فقد السيطرة الفعلية على دمشق قبل حمص، ما يدل على انهيار المنظومة الأمنية والسياسية بشكل أسرع من المتوقع.
ثانيًا: ملامح الإدارة السورية الجديدة
تشكّلت الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، عقب مؤتمر النصر، وأطلق مؤتمر الحوار الوطني وتأسيس لجنة دستورية. برزت القيادة السياسية الجديدة ممثلة بأحمد الشرع، والتي اتخذت قرارات سريعة وحاسمة، منها قرار حل بعض الفصائل مثل اللواء الثامن في درعا، ومحاولة احتواء الأزمة في السويداء رغم التعقيدات بسبب تعدد المرجعيات الدرزية وتدخلات إسرائيل هناك. وأظهر الشرع قدرة لافتة في ضبط الفصائل العسكرية وتنظيمها في إطار مؤسسي جديد، وبدأ بالإعداد سريعًا لمرحلة انتقالية عبر إشراك أوسع شريحة من السوريين من خلال مؤتمر الحوار الوطني، وإعلان اللجنة الدستورية.
تعكس تحركات الحكومة الانتقالية الحالية رغبة قوية في تأسيس حكومة تكنوقراط تتولى إدارة الملفات الحساسة خلال المرحلة القادمة، خاصة إعادة الاستقرار وإعادة بناء الدولة، وهي مهمة شاقة أمام التحديات الكبيرة التي تواجه سوريا الجديدة.
حيث تسعى الإدارة إلى تحقيق الأهداف الرئيسية التالية:
- بناء حكومة تكنوقراط.
- إعادة ضبط الفصائل ضمن مؤسسة وزارة الدفاع.
- الإعداد لإعادة الإعمار رغم العقبات.
ثالثًا: التحديات المركزية
- العقوبات الدولية: تبذل الإدارة الجديدة جهودًا لتعليق قانون قيصر، وقد نجحت في تحقيق تعليق مؤقت مدته 6 أشهر، إضافة إلى تسهيلات للبنك المركزي، في مقدمة هذه التحديات تبرز قضية العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، خاصة تلك المرتبطة بقانون قيصر الأمريكي، الذي يفرض قيودًا صارمة على أي تعاملات اقتصادية مع الحكومة السورية. الإدارة الجديدة تبذل جهودًا حثيثة لتخفيف هذه العقوبات أو إلغائها بشكل مؤقت أو دائم، مستفيدةً من الدعم السياسي والدبلوماسي الذي تقدمه دول إقليمية مثل السعودية وقطر، والتي ضغطت على الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب وأسفرت هذه الجهود عن تعليق مؤقت للعقوبات المتعلقة بقانون قيصر لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، ورفع جزئي للعقوبات عن البنك المركزي السوري للسماح بدفع رواتب الموظفين.
- إسرائيل: ما تزالالعلاقات متوترة، خاصة مع استمرار القصف الإسرائيلي في الجنوب. فشلت إسرائيل في استيعاب التحول السياسي، واستمرت في فرض شروطها، فالعلاقة المعقدة مع إسرائيل، التي تعاملت مع الإدارة السورية الجديدة بمنطق العداء المباشر، وفرضت ما يشبه “حزمة شروط” قاسية، أبرزها منع تواجد القوات السورية أو التركية في الجنوب السوري.
في المقابل، لم تتمكن الإدارة السورية من تبنى خطاب مواجهة مباشر، واكتفت بإرسال إشارات غير مباشرة لإسرائيل عبر وسطاء إقليميين مثل الأردن والإمارات. ومن الواضح أن إسرائيل لم تُحسن قراءة التحولات السياسية الأخيرة، إذ تصرّ على التعامل مع الإدارة الجديدة باعتبارها ضعيفة، واتبعت أسلوبًا ساذجًا في استعراض قوتها، مما يُحرج الإدارة السورية الجديدة أمام الشعب. وتسعى الحكومة السورية من خلال اتصالاتها، ومنها لقاء الشرع بالرئيس الأمريكي ترامب، إلى دفع واشنطن للضغط على إسرائيل للتوقف عن استغلال الورقة الدرزية وانتهاكاتها في الجنوب.
- الاقتصاد وإعادة الإعمار: ما تزال الدولة عاجزة عن تقديم خدمات أساسية، وتعتمد على الدعم الخليجي والتحويلات. ويُنتظر تدخل صندوق النقد الدولي بمنحة خاصة، حيث تعاني سوريا من ترهل شديد في مؤسسات الدولة وبيروقراطية ثقيلة، في ظل شحٍّ حاد في الموارد المالية، الأمر الذي يضع عائقًا كبيرًا أمام أي جهود لإعادة البناء. تعتمد الإدارة بشكل كبير على الدعم المالي الخارجي من دول الخليج وتركيا، عبر المنح والحوالات المالية، وتحديدًا من السعودية وقطر لضمان دفع الرواتب، وهي خطوة مهمة جدًا لتحريك الاقتصاد السوري وتنشيط الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، يُتوقع أن يقدم صندوق النقد الدولي منحة خاصة للحكومة السورية الجديدة للمساعدة في تسيير أعمالها.
وعلى صعيد السياسات النقدية، تواجه الحكومة معضلة بين الحاجة لخفض معدلات التضخم، والتي لا توجد في سوريا حتى الآن آليات دقيقة لقياسها، وبين ضرورة تحقيق نمو اقتصادي سريع. كما أن عملية إعادة الإعمار، وخاصة في القطاع العقاري، تبدو عالية التكلفة وتفوق قدرات سوريا الحالية، ما لم يتم عقد مؤتمر دولي خاص لإعادة الإعمار، أو الحصول على منح مالية دولية كبيرة، الأمر الذي يظل أحد أهم أولويات الحكومة السورية الجديدة في المرحلة المقبلة.
رابعًا: سؤال الهوية الوطنية والسياسية
ناقشت الجلسة تحوّل الهوية السورية من “وطنية جامعة” إلى هويات فرعية، بسبب اللجوء والانقسام الداخلي، حيث يرى الحضور أنه يمكن القول إن الثورة خلقت فرصة لصياغة هوية سورية جديدة، تقوم على:
- إدارة التعدد لا قمعه.
- قيم المواطنة والمساواة.
- نبذ الأنماط الطائفية أو المحاصصة على غرار لبنان والعراق.
كما رأى مشاركون على أن الهوية السورية السياسية في المرحلة الحالية تواجه اختبارًا حقيقيًا لإعادة صياغتها بصورة جامعة تشمل كل السوريين، على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الإثنية. إلى جانب ذلك فإن واحدًا من الأسئلة المطروحة يتمحور حول الطريقة الأمثل لفهم هذه الهوية الجديدة، في ظل واقع فرضته سنوات طويلة من الحرب والانقسام والتهجير، ما يجعل من إعادة تعريف “السوري” اليوم تحديًا معقدًا، يتطلب جهودًا كبيرة في إطار إعادة بناء الدولة وتعزيز التوافق الاجتماعي والسياسي.
لكن تجدر الإشارة إلى أن تجربة التحرير لوحدها ولّدت حالة من الوعي الجمعي وشعورًا بهوية وطنية جامعة، تجسدت في شعارات مثل “ارفع رأسك فوق، أنت سوري حر”، والتي تحولت إلى رموز للصبر والانتصار. فقد مثلت هذه اللحظة فرصة ثمينة لإعادة تشكيل هوية سورية جامعة، رغم صعوبة إدارة التعدد والتنوع داخل المجتمع.
إلى جانب ما ذُكر، فيرى مشاركون فإن أفضل تعريف للديمقراطية هو اعتبارها نظامًا لإدارة التعدد في الدول، لا مجرد خيار سياسي أو أيديولوجي، وسوريا تحاول حاليًا تلمّس أفضل الطرق لإدارة تنوعها الداخلي، خاصة في ظل غياب خريطة واضحة نتيجة الترهل المؤسساتي. كما أن تعزيز الحريات الأساسية، مثل حرية الرأي والتعبير، يُعد مكسبًا رئيسيًا في المرحلة الحالية، لكنه غير كافٍ بمفرده لإعادة تشكيل هوية وطنية متماسكة.
خامسًا: الأمن والمؤسسات
رأى مشاركون أن “الشرطة” لا بد أن تكون واجهة الدولة الجديدة، بدلًا من تكرار الأجهزة الأمنية المتعددة والمُتضاربة، وهذا يتطلب أيضًا:
- بدء تفكيك ثقافة الخوف المتراكمة.
- الحاجة إلى تدريب أمني حديث.
- استيعاب الشباب ضمن جهاز أمني محترف بعيد عن الانقسامات.
وحول الأمن والمؤسسات الداخلية وهيكلة الدولة: توزعت مداخلات عدة حول إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية وتحديات بناء الجيش الوطني. أشار مشاركون إلى ضرورة نزع السلاح تدريجيًا وإرساء منظومة أمنية حيادية تقوم على الثقة لا القمع، مع توجيه تركيز خاص نحو إصلاح الشرطة كواجهة يومية للدولة. بالمقابل، حذّر مشاركون من استمرار مظاهر التسلح العشوائي والانفلات البصري (مسألة لحى قوات الأمن) في شوارع دمشق، مؤكدًا أن غياب الانضباط الأمني يضعف صورة الدولة، حتى في ظل وجود ترحيب شعبي نسبي بالإدارة الجديدة.
سادسًا: مخاوف من التفرد السياسي
في الوقت الذي تجاوز فيه كثيرون مخاوفهم الأيديولوجي من الإدارة الجديدة، بعد ما أبدته من براغماتية عالية في إطار السياسة الداخلية وتحديدًا الخارجية، رأى مشاركون أن المقلق اليوم يكمن في سيطرة الشرع على مفاصل القرار، وإقصاء الأصوات الأخرى. إذ يطرح “الإعلان الدستوري” تساؤلات حول مدى شرعيته، ويثير الشكوك حول إمكانية تكرار تجربة الاستبداد لكن بوجه جديد.
وحول الهوية، الشرعية، والمخاوف من التفرد، يرى عدد من المشاركين، أن الشرعية الحالية تقوم على “ثورية رمزية” لكنها لا تكفي لبناء نظام ديمقراطي تشاركي، محذرين من ملامح التفرد بالسلطة لدى الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. يعتبر الحضور أن حذف كلمة “ديمقراطية” من مسودة الدستور ثلاث مرات مؤشر مقلق، بينما تساءل آخرون عن مستقبل التعددية السياسية والعدالة الانتقالية. في هذا السياق، شدّد المشاركون على ضرورة حماية “الروح الوطنية الجديدة” التي ولّدتها الثورة، وتحصينها من الاختطاف عبر ترسيخ مبادئ المواطنة والدولة المؤسسية.
ثامنًا: العلاقة مع إيران وتركيا
- التحديات الإقليمية والأمنية: أجمع المشاركون على أن التحدي الإسرائيلي يُعد من أبرز التهديدات أمام الإدارة السورية الجديدة، في ظل تمدد تل أبيب عسكريًا حتى مشارف الحدود الأردنية. حذّر بعضهم من المقايضات السياسية المحتملة مقابل تخفيف العقوبات، في حين طرح بعض المشاركين إمكانية نشر قوات عربية جنوب سوريا كحل وقائي إقليمي. كما أثير القلق من استمرار النفوذ الإيراني، إذ يعتبر أنها لا تزال تملك أدوات التأثير داخل سوريا، كما أُشير إلى أن إيران ترى في الحكومة الجديدة تهديدًا مباشرًا لنفوذها، خاصة في الساحل السوري.
- إيران: تواصل تغذية التوترات، خاصة في الساحل السوري. وتعارض أي نظام يضعف نفوذها.
- تركيا: تُعد الحاضن السياسي الأهم للإدارة الجديدة، وتقدم الدعم اللوجستي والاقتصادي
تاسعًا: التحدي الاقتصادي والاجتماعي
بحسب طروحات مشاركين، لا يمكن الحديث عن تحول سياسي حقيقي دون: التوصل إلى:
- استراتيجية لإصلاح الصحة والتعليم (39% من المدارس مدمرة، وسرير طبي واحد لكل 100 ألف مواطن).
- نظام ضريبي عادل يعزز موارد الدولة.
- بنية خدمات عامة تضمن الحد الأدنى من المساواة.
- أما عن الاقتصاد، الإعمار، والحماية الاجتماعية: فُيبرز المشاركون، الحاجة لرؤية اقتصادية متكاملة، تنطلق من العدالة الضريبية وتوسيع قاعدة التحصيل، بدل الاتكال على المنح الخارجية. طُرحت فكرة “المثلث الاقتصادي الجديد” بين سوريا وتركيا والأردن والسعودية كمحور تكاملي محتمل. كما سلّط مشاركون الضوء على الواقع المعيشي القاسي، مؤكدتين أن النجاح السياسي لا يُقاس فقط بالخطابات بل بتحسين شروط حياة السوريين، وإشراك المغتربين وكافة المكونات في بناء الدولة على أسس عادلة وشاملة.
خلاصة وتوصيات
يمكن القول إن سوريا اليوم أمام مفترق حاسم؛ إما إعادة إنتاج منظومة استبداد جديدة بلغة مختلفة، أو تأسيس عقد اجتماعي جديد، مما يستدعي بالضرورة:
- ضرورة بناء نظام حوكمة شفاف وفعّال.
- تحويل الحريات الرمزية إلى منظومة قانونية قابلة للمساءلة.
- خلق بيئة سياسية تشاركية تستوعب القوى المعارضة وممثلي الخارج.
- إعادة الاعتبار للوظائف الاجتماعية للدولة (الصحة، التعليم، العدالة).
- مقاومة أي اختطاف للهوية الوطنية الجديدة لصالح توازنات قوى أو محاصصات مؤقتة على عكس تجربتي لبنان والعراق.
أما التحدي الأكبر من وجهة نظر مشاركين، فيتمثل في حماية مكتسبات “التحرر السياسي” من الردة إلى السلطوية، والتأسيس لدولة تقوم على المؤسسات لا الأشخاص.