درعا مفتاح دمشق: قراءة أردنية

في خضم الترتيبات الإقليمية والدولية الجديدة المرتبطة بسوريا؛ تظهر التحركات الدبلوماسية الأردنية الأخيرة لضرورة الاشتباك السياسي المباشر مع الأطراف الرئيسية في المشهد الحالي، وبحث وتأمين مصالح الأردن العليا في سوريا، وإحداث تغييرات في القضايا الشاغلة والضاغطة على الأردن. فبجوار التأكيد على الثوابت الأردنية المرتبطة بوحدة الأراضي السورية، وأهمية تمكين العملية السياسية الانتقالية؛ يُظهر الحراك الدبلوماسي الأردني الأخير مع كل من الإدارة الانتقالية الجديدة تركيا مؤخرًا ما هو أبعد من ذلك.
وفي هذا الصدد، تظهر قضية استقرار الجنوب السوري كمسألة مفتاحية للأردن ومصالحه في سوريا، خاصة مع التأكيد على أن المشهد الحالي -مع تحسنه- مقارنة بمرحلة نظام الأسد؛ إلا أن هناك مسائل مهمة قد تبطء من زخم الانفتاح الحالي، وفي مقدمتها قضية التفاهم ما بين الإدارة الانتقالية والقوى الاجتماعية في الجنوب السوري، وهي مسألة مفتوحة لم تُحسم بعد، ويشوب مستقبلها حالة من الغموض الذي يستدعي التساؤل.
كمصلحة حيوية عليا خاصة بالأردن في المقام الأول، يُعتبر استقرار الجنوب السوري على سُلم الأولويات التي يضغط الأردن باتجاهها مع الإدارة السورية الانتقالية، خاصة بعد 13 سنة من حالة عدم الاستقرار التي أثرت بشكل مباشر على أمن واستقرار الحدود الأردنية البالغة 375 كم تقريبًا. وعن المشهد الحالي في الجنوب، لا بد من التأكيد على استمرار حالة من عدم الاستقرار وإن كانت وتيرتها آخذة بالانخفاض بعد سقوط النظام؛ إلا أنها الاستقرار بمفهومه الشامل لا يزال موضع تساؤل، ويفتقر للتدخل الأمني السوري المباشر لمكافحة أوجه التهديد، ومن أبرزها؛ العلاقة مع الفصائل المسلحة، وشبكات تهريب المخدرات، واستمرار حيازة السلاح غير المنضبط.
في حين تتجلى المعضلة الأبرز في العلاقة الغامضة ما بين الفصائل المحلية المسلحة في الجنوب، وما بين الإدارة الانتقالية في دمشق، وعلى وجه الخصوص اللواء الثامن بقيادة أحمد العودة، والذي لا يزال يقف على مسافة غير واضحة من الإدارة الانتقالية، ويطرح ذلك تساؤلات مهمة حول مسارات العلاقة بين الطرفين، والتي ستلقي بظلالها بطبيعة الحال على المشهد الحالي في الجنوب السوري، مع ضرورة التأكيد على أن وزن نفوذ اللواء الثامن على الأرض لا يعتبر كبيرًا، إذ ينتشر في ريف محافظة درعا بشكل خاص، أما في حال تصور حدوث حالة من التصعيد مع الإدارة الانتقالية؛ فإن مسار هذا التصعيد قد لا يعتبر تهديدًا وجوديًا على الإدارة في دمشق، خاصة مع محدودية قوة وانتشار اللواء الثامن. في هذا الصدد، تعتبر التفاهمات المباشرة بين الطرفين ضمانة لعدم حدوث اشتباكات عسكرية مباشرة تستنزف القدرات والجهود في هذه المرحلة، وقد تنتج التفاهمات دورًا سياسيًا لأحمد العودة في المرحلة المقبلة ضمن الإطار الأوسع للعملية السياسية، ولكن دون التعويل على ضخامة هذا الدور بطبيعة الحالة.
في هذا السياق، يتجلى المطلوب أردنيًا في تمكين التفاهمات بين الطرفين، وضمان عدم استنزاف الجهود بينهما بنمط صفري يهدف للإقصاء، بل على العكس، فإن إطلاق حملات أمنية مشتركة سيقلل من الهواجس الأردنية، خاصة لتجفيف منابع وأوكار شبكات تهريب المخدرات، وإعادة ضبط التسلح العشوائي، كما لا تنحصر مخرجات الحملات الأمنية فقط في قضية استقرار الجنوب لذاته، بل تمتد لتشمل العمل على إيجاد بيئة جاذبة لعودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين المقيمين في الأردن، والذين ينتمي غالبيتهم لمحافظات الجنوب السوري.
في حين تستدعي مبادرة الربط الكهربائي التي قدمها الأردن ويجري تقييمها فنيًا؛ ضمان عدم تعرض هذه الخطوط لأي من محاولات التخريب المتعمد، والتي قد تحدث نتيجة لعدم ضبط الاستقرار في الجنوب، يضاف لذلك خطوط التجارة البرية والمعابر، وكلها قضايا تستند للاستقرار.
في المجمل، فإن الحديث عن أي من التحولات الإيجابية المباشرة للأردن في ضوء الإدارة الانتقالية الجديدة يعني أهمية ومركزية الاستقرار في الجنوب السوري، خاصة مع التأكيد على أن الطريق إلى دمشق يمر بدرعا، وهو ما يعني التأكيد على ضرورة توحيد جهود الأطراف العقلانية في سوريا، لضبط وتأمين الاستقرار في الجنوب، وذلك شرط للمس التحولات السورية إيجابيًا في للأردن، فكما أن زوال نظام الأسد اُعتبر انفراجة إقليمية مهمة؛ فإن ضرورة إدارة مرحلة ما بعد النظام هي الأهم، وللأردن؛ فإن الطريق لسوريا الجديدة لن يزدهر إلا بجنوب سوري مستقر.