إعادة هندسة سوريا وفق المنظور الإسرائيلي

في الوقت الذي نشهد فيه مؤخرًا تصاعدًا للغارات الإسرائيلية في سوريا، والحديث عن قنوات اتصال بين دمشق وتل أبيب، تبرز مجموعة من النقاشات داخل الأوساط البحثية الإسرائيلية حول العلاقة مع سوريا الجديدة، حيث يتناول التقرير جانبًا منها ومن التصورات التي يتم الحديث عنها مؤخرًا حول سوريا.
نقاط مفتاحية:
- تشهد الأوساط البحثية ومراكز التفكير الإسرائيلية اهتمامًا متزايدًا بشأن إمكانية انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهيم، مما يثير نقاشًا داخليًا واسعًا حول فرص التطبيع وحدوده.
- تطرح الصحافة والتحليلات الإسرائيلية جملة من الشروط والضوابط التي ينبغي توفرها قبل الحديث عن أي سلام محتمل، لا سيما في ظل ماضي الشرع وموقع إسرائيل من مرتفعات الجولان والملف الدرزي.
- يتجاوز الطرح الإسرائيلي مجرد اتفاق سياسي تقليدي، ليطرح مشروعًا أشمل لإعادة هندسة سوريا ثقافيًا وتعليميًا بما يدمج إسرائيل في النسيج الرمزي والذهني للسوريين.
شهدت الأوساط البحثية ومراكز التفكير الإسرائيلية مؤخرًا اهتمامًا ملحوظًا بالتحركات السياسية الجديدة للحكومة الانتقالية في سوريا برئاسة أحمد الشرع، وذلك في أعقاب تصريحات نُقلت عن الرئيس السوري خلال لقائه بالنائبين الأمريكيين كوري ميلز ومارلين ستاتزمان في 18 أبريل/نيسان. وتكمن أهمية اللقاء في حديث ميلز حول “اهتمام سوريا بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم في حال توافرت الظروف المناسبة”، وهو ما أثار نقاشًا داخليًا واسعًا في إسرائيل بشأن جدية هذا التوجه وحدوده.
تتفاوت التحليلات الإسرائيلية ما بين من رأى فيما نُقل عن الشرع ومحادثاته مع الجانب الأمريكي على أنها تطور واعد وفرصة استراتيجية لإعادة تشكيل العلاقة مع سوريا، وبين من عبّر عن قلقه الشديد تجاه ماضي الشرع “الجهادي”، مشككًا في إمكانيّة بناء سلام موثوق ومستدام مع نظام ناشئ يحمل إرثًا كهذا. وقد عبّر النائب الأمريكي كوري ميلز عن هذا التوجّس بقوله: “أنا متفائل بحذر وأسعى للحفاظ على حوار مفتوح”[1].
في هذا السياق، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست تقريرًا يكشف بعضًا من مطالب الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات المفروضة على دمشق، أبرزها: تفكيك ما تبقى من ترسانة الأسلحة الكيميائية، والتعاون في مكافحة الجماعات الإرهابية، وضمان عدم تولي المقاتلين الأجانب لمناصب عليا داخل الدولة. كما نقل التقرير تأكيد ميلز على رغبة الشرع بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم “في الوقت المناسب”، وهي رغبة مشروطة وغير واضحة المعالم بعد.
فيما سلّط الكاتب والمحلل أوهاد ميرلين وهو مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة جيروزاليم بوست الضوء على الشروط التي يجب أن تطرحها إسرائيل في حال تم التوجه نحو السلام مع سوريا، تضمنت هذه الشروط ما يلي:
- عدم انسحاب إسرائيل من مرتفعات الجولان والتي تعترف بها على أنها منطقة استراتيجية حيوية وجزء لا يتجزأ من الأراضي الإسرائيلية، وتخضع لسيطرة وسيادة اسرائيلية كاملة عليها.
- مواصلة تقديم ضمانات من قبل إسرائيل للدروز في جنوب سوريا، الأمر الذي لا تستطيع إسرائيل التخلي عنه باعتباره واجبًا “مقدسًا” تجاه الدروز.
- ينبغي لإسرائيل أن تطالب سوريا بالإدانة الواضحة والصريحة لأي أيدولوجيات إرهابية أو جهادية، والتخلي عنها بما في ذلك رفض إرهاب حماس وما قامت به في السابع من أكتوبر.
- وضع ترتيبات حدودية من شأنها الحفاظ على أمن إسرائيل، ويتضمن ذلك إبعاد القوات السورية عن الحدود، والقيام بعمل توازن مع المصالح التركية، إلى جانب ضمان عدم استخدام إيران لسوريا كمركز تهريب أسلحة إلى حزب الله في لبنان.
- إصلاح تعليمي وإعلامي شامل، وإلزام المناهج الدراسية السورية بالاعتراف بالشعب اليهودي وإسرائيل باعتبارهما فاعلين أصليين وطبيعيين في المنطقة، والتخلص من المصطلحات التي تقوّض الشرعية، مثل “الكيان الصهيوني” أو “سلطات الاحتلال”[2].
يتضح مما سبق أن الخطر الحقيقي الذي تطرحه إسرائيل، بحسب هذا المنظور، لا يكمن فقط في الاشتراطات السياسية أو العسكرية، بل في مشروع أعمق يتمثل في “إعادة الهندسة الثقافية” لسوريا. ويشمل ذلك إدماج إسرائيل في المناهج الدراسية والاعتراف بـ”الشعب اليهودي” كجزء من النسيج الإقليمي، وهي خطوة يعتبرها العديد من المحللين تهديدًا لهوية الأجيال السورية القادمة.
هذا التوجه الثقافي يتجاوز نطاق الاتفاقيات السياسية، إذ تسعى إسرائيل إلى إنتاج نموذج تطبيعي مختلف عن التجربة مع مصر أو الأردن، والانتقال من الاعتراف السياسي البارد إلى تطبيع ثقافي شامل يطمس جذور العداء التاريخي ويمحو رواية الصراع.
رغم ما يظهر من مؤشرات على انفتاح الشرع، إلا أن مستقبل التطبيع يبقى معقدًا وغير محسوم، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان، وتعقيدات الملف الدرزي، وتعدد الفاعلين الإقليميين والدوليين داخل الأراضي السورية، حيث تبقى الأسئلة الكبرى قائمة:
ما هي “الظروف المناسبة” التي يشير إليها الشرع؟ وهل تتضمن هذه الظروف انسحابًا إسرائيليًا من الأراضي السورية المحتلة؟ وهل يمكن لحكومة ناشئة ومؤقتة أن تتخذ قرارات مصيرية بهذا الحجم؟
وفي هذا السياق، لا تخلو التصريحات الرسمية الإسرائيلية من التشكيك، كما عبّر وزير الخارجية جدعون ساعر حين وصف الشرع بأنه “كان جهاديًا ولا يزال، حتى وإن ارتدى بعض قادته البدلات الرسمية”[3].
في الختام تشير المعطيات الحالية إلى أن إسرائيل لا تسعى فقط إلى اتفاق سياسي تقليدي مع سوريا، بل إلى صفقة شاملة تعيد رسم ملامح سوريا الجديدة، سياسيًا، أمنيًا، وثقافيًا. هذا المشروع، -إذا تحقق- سيكون أكثر من مجرد تطبيع، بل سيعتبر إعادة هندسة لسوريا كاملة، وفق للرؤية الإسرائيلية للمنطقة.
[1] Reuters. “Syria Says It Will Not Threaten Israel, Will Monitor Palestinian Groups.” The Jerusalem Post, April 26, 2025. https://www.jpost.com/breaking-news/article-851565.
[2] Merlin,Ohad. “Are the ‘Aram Naharaim Accords’ with Syria on their way?” The Jerusalem Post, April 28, 2025. https://www.jpost.com/middle-east/article-851771.
[3] Freiberg, Nava. “Ahmed al-Sharaa Said to Seek Peace with Israel, Eyes Syrian Entry to Abraham Accords.” The Times of Israel, April 24, 2025. https://www.timesofisrael.com/ahmed-al-sharaa-said-to-seek-peace-with-israel-eyes-syrian-entry-to-abraham-accords/.